"نظرية العلمانية عند عزمي بشارة": قراءة في مشروع نقدي

"نظرية العلمانية عند عزمي بشارة": قراءة في مشروع نقدي

08 مايو 2019
(مقطع من عمل لـ ضياء عزاوي/ العراق)
+ الخط -

في بداية 2013، صدر الجزء الأول من كتاب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" للمفكر العربي عزمي بشارة، وكان مفتتح مشروع بحثي ضخم خاض فيه مؤلفه رحلة موسّعة في تاريخ الأفكار دقّق فيها الكثير من المفاهيم مثل المقدّس والتديّن والعلمانية والتنوير، وبيّن تفاعلاتها وتداخلاتها وتوظيفاتها.

لم تكن القضايا التي طرحها الكتاب، الذي صدر جزؤه الثاني عام 2015 في مجلّدين، بمعزل عن الواقع العربي، حيث تصاعد الجدل - بعد منعطف 2011 الذي عاشه أكثر من بلد عربي - حول موقع الدين في الفضاء العمومي وبات من الضروري تمحيص الكثير من المفاهيم والأطروحات.

تتحوّل مثل هذه المشاريع إلى محفّزات للمراجعة لاختبار مقولاتها نظرياً وعلى أرض الواقع، من ذلك كتاب "نظرية العلمانية عند عزمي بشارة: نقد السرديات الكبرى للعلمنة والعلمانية" للباحث مصطفى أيت خرواش، وهو عمل صدر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".

يشير المؤلّف، في مقدّمه بحثه، إلى وجود اعتبارين جعلاه يهتمّ بكتاب عزمي بشارة، الأول هو اندراجه ضمن سلسلة من المشروعات النقدية العربية التي قاربت إشكال الدين في العالم الإسلامي، والثاني يتعلّق بالفرضيات المبتكرة التي أقام عليها صاحب "في المسألة العربية" مشروعه النقدي.

قسّم أيت خرواش عمله إلى ثلاثة فصول عنونها بنفس عناوين المجلدات الصادرة من الكتاب: "الدين والتديّن"، و"العلمانية والعلمنة: الصيرورة الفكرية"، و"العلمانية ونظريات العلمنة"، وكأنه بذلك يعيد قراءة مشروع بشارة في مساره التطوّري، حيث يستعيد البناء المنهجي الذي وضعه صاحب "المجتمع المدني" حين يميّز بين الكثير من المصطلحات ذات الاستعمالات المربكة والمتداخلة مثل الدين والمقدّس والأخلاق، معرّجاً على أكثر من ظاهرة تتقاطع مع الظاهرة الدينية، ومنها يقيم مجموعة من التعريفات، وصولاً إلى "الانتقال من مبحث الدين إلى مبحث العلمانية".

يعتبر أيت خرواش أن الجزء الثاني يمثل "النواة الأساس المتقدمة للمشروع"، وهو جزء موسوعي تتبّع فيه بشارة المسار البطيء لتبلور فكرة العلمنة في مراحل متعددة مثل النهضة والإصلاح الديني والاكتشافات العلمية، رابطاً الأحداث التاريخية بتطوّر الأفكار والنظريات ليصل إلى تبلور العلمانية كأيديولوجيا في القرن التاسع عشر.

أما في الفصل الثالث، فيعود المؤلف إلى ما أشار إليه بشارة من مسألة تعميم الأنموذج الأوروبي في العلمنة، مقدّماً نماذج تاريخية للعلمنة منها التجارب الإنكليزية والفرنسية والألمانية، قبل أن ينتقل إلى البحث في العلمنة ونظرياتها.

يشير أيت خرواش إلى اعتماد عزمي بشارة على منهجيات من مجالات معرفية متعدّدة، وهو خيار ينسجم مع كون مسألة الدين والعلمانية ليست بحثاً فلسفياً بالمفهوم الكلاسيكي، بمحدداته الإبيستيمولوجية واللغوية والمنهجية، وإنما هي "بحث فكري ونظري يقارب موضوعاً تتداخل فيه الفلسفة (فلسفة الدين، فلسفة التاريخ ...إلخ) مع العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى" بحسب تعبيره، معتبراً أن من نقاط قوة المشروع شموليته وتخصُّصه في الوقت نفسه حيث استوعب جميع مناحي الكتابة عن العلمانية والدين معاً بمنهج تكاملي تركيبي، وتبحّر على نحو متخصّص في قضايا فلسفية ونظرية دقيقة، ما يسمح للمتخصّص وغير المتخصّص باستيعابها.

المساهمون