بشار الحروب.. مجرد لعب بالجنود

بشار الحروب.. مجرد لعب بالجنود

08 يناير 2018
("خريطة العالم"، من المعرض)
+ الخط -
الحرب لا تفقد فنانيها، تنتهي أحياناً على الأرض بعد أن تجعل من الأمكنة أطلالاً ومن ساكنيها ضحايا، لكنها تظلّ تبرق في الأعمال الفنية؛ عرفنا ذلك منذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم من أعمال فنانين مثل بول ناش، وجودي شيكاغو، وبيكاسو، وميلاني فريند، ومارك شاغال، وفرانسيس بيكون، وإيف كلاين، وروبرت روشينبيرغ، ودورا ميسون، وأوتو ديكس، وكثر آخرين.

في المشرق العربي، لم تتوقّف الحرب منذ عقود، إذ تسلم كلّ حرب الراية للتي بعدها، من هنا يمكن القول بوجود مجموعة كبيرة من التشكيليين العرب الذي كان موضوعهم الأساسي وما زال هو الحرب؛ خصوصاً في العراق ولبنان ومؤخراً في سورية ودائماً وأبداً في فلسطين.

ومن أبرز الفنانين المعاصرين العرب، الذين يعملون على هذه الثيمة؛ التشكيلي الفلسطيني بشار الحروب (1978)، الذي ينقلنا كل عام من وجه للحرب إلى آخر، ومن زاوية إلى سواها، ومن تأمّل الضحية إلى الجلاد إلى الجلاد/ الضحية.

في "غاليري وان" في رام الله، وتحت عنوان "الحرب والرغبة" يفتتح غداً معرض الحروب ويتواصل حتى 28 شباط/ فبراير المقبل، هذا هو الغاليري نفسه الذي أقام فيه الحروب معرضه "شاشة صامتة" في 2015، وإن كنا في المعرض السابق ننظر إلى الحرب بعيون حشود من الضحايا جائعة وخائفة ومشردة وبائسة، فإننا في معرضه الحالي نقف بين الجنود.

لا ينتقل الحروب من زاوية إلى أخرى فقط، بل ومن أسلوب إلى آخر، أنت لا يمكن أن تشاهد أعمال معرضه "شاشة صامتة" من دون استحضار آلام شخصيات غويا أو غرنيكا بيكاسو أو حتى تاريخ من صور الحرب الفوتوغرافية الكلاسيكية التي خزّنتها الذاكرة.

الأمر مختلف في "الحرب والرغبة"، حيث تتضمّن الأعمال منحوتات من الجنود البلاستيك، وكأن شهية الفنان مفتوحة على طريقة أكثر راديكالية تسائل أو تهزأ من صورة الجندي الذي يعرفه الإنسان العربي، يمكن مشاهدة حشود من الجنود الذائبين باللون الفوشيا مثلاً.

المعرض امتداد لمشروعه "الجندي الكوني" الذي عرضه بين 2016 و2017، في دبي وليون الفرنسية، والذي استخدم فيه لعبته وهو طفل، وهم الجنود البلاستيك، حيث يمكن للطفل أن يغيّر موقع جنوده ليحولهم إلى أعداء، كلّ جندي في يد، وكل يد تعبر عن طرف.

في الحروب الأهلية تقع الفظائع، وفيها يكون النظير الموضوعي للحميمية والألفة التي عاشها الجيران في السلام هو العنف الرهيب في الحرب حين ينقلب هؤلاء الحميمون على بعضهم، ما يوحي بأن ثمة رابط محتمل بين الألفة والعداوة، تماماً مثلما يمكن تحويل الجندي من صديق إلى عدو في لعبة أطفال.

يشتغل الحروب على شيء من هذه الحميمية، على الرغبة وعلاقتها بالعنف، فنجد من أعمال المعرض مجسم من العساكر على شكل صاروخ أو قضيب كما يبدو المجسم مثل لعبة جنسية Toy باللون الوردي، كذلك في مجسم آخر ثمة فم أنثوي وأحمر قانٍ مجسد بالطريقة نفسها، وهناك أيضاً قلب ورأس بل رؤوس.

قيم المعرض عيسى ديبي يقول في قراءته حول المجموعة " في رسوماته ولوحاته يعيد الفنان إنتاج المشهد المعنف بمجموعة لوحات تكون عملاً كاملاً من جزئيات ملونة بأطياف قوس قزح تربط المشهد المعنف بالإيروسية الرجولية وحياة العسكرة والعلاقات الجنسية المتوترة في المجتمع".

أسماء الأعمال تقول الكثير عنها؛ في "اجتياح" تظهر الأرض كأنها كرة معدنية من الجنود، وقد غزوها بالكامل، في "اختفاء" صورة لنفس الشخص ينمحي ويتلون بالأحمر، في "دمى" نرى الأرض فارغة تماماً ويقف عليها جندي واحد مستعد لاجتياحها كلها.

المساهمون