رفقاً بالمترجِمين

رفقاً بالمترجِمين

29 يناير 2017
ندير مسلم/ العراق
+ الخط -

نادراً ما يُعلِّق القُرّاء على ما يقرأون من أعمال مترجَمة، لأنه يصعب عليهم، في الغالب، الوقوف على ما لا يمكنهم تعرُّفُه من تحريف للمعنى، أو اللامعنى، أو المعنى الفاسد، وفق جان داربلنيتْ. بل إنهم يكادون لا يلتفتون إلى المترجِم، ويميلون إلى التركيز على ما بين يَديْهم، وكأنه كُتِب لهم في لغتهم التي يتكلمونها. لكنَّ الأمر يختلف مع المترجمين، الذين لا يرضى مُعْظَمُهم عن عمل غيره، فتجد منهم من يسعى إلى تبخيسه وازدرائه، وحتى التهجم عليه.

يثير نظير هذا الموقف أسئلة؛ منها: هل يصدر المنتقِدُ عن رغبة في الارتقاء بالترجمة؟ أيكون الحافز هنا توجيه المترجِم؟ أيُفهَمُ أنّ المُنتَقِد قادر على تقديم عمل كامل مكتمل يكونُ أفْضلَ من المنتقَد؟ وهل بوسع المنتقِد أن ينهض بمهمة ترجمة الأعمال كلّها التي لا يفتأ ينال منها بصيغ مختلفة؟ ولماذا لا يترك المنتقِدُ السّوقَ والقُرّاءَ حَكَمًا يَفصِل في الأمر؟

لا مراء في أن الحق في إبداء الرأي مبدأ ديمقراطي، خصوصاً إذا كان موضوعياً، ولا شكّ في أن كلّ متنوِّر يُدافع عنه، كما أنّ المطالبةَ بالجودة في عرض المُنتَج أمر مُسلَّم به، لكنْ هل الأفضل ترْك ما لدى الآخرين من معارف وفنون غُفْلا، أي في حكم النّسي المَنسيّ أم الاطلاع عليه يكون أفْضَلَ ولو كانت به عيوب؟ هل ما أُنْجِزَ من ترجماتٍ مَعِيبة من قِبَل المسلمين والعرب في العصور الوسطى وحتى عند الغرب كان مضرا أم مُفيدا؟

وبالتركيز على عالمنا العربي، ألا يكون من الأولى التشجيع على الترجمة والترويج لِمُنتَجاتها تشجيعا على الانفتاح والتثاقف والتلاقح أم نبدأ بقص أجنحة متعاطيها وإعطابِ المحاولات التي تسعى إلى تقديم ما تمكَّنتِ الترجمة من الدنوّ منه والتعريف به؟

ربما كان المعطى الغائب عن المترجِمِ المنتقِد هو أن الترجمة لا تختلف في شيء عن القراءة، وأن كلَّ مترجِم شأنه شأن كُلّ قارئ يبني للنص معاني معيّنة، فالمترجِم يمنح النصّ معاني هو الآخر، ويسعى إلى إيصال فهمه إلى غيره، بل إن كلّ مترجِم يحمل في ذاته ناقدا لعمله، ومن ثَمَّ وجب على المترجِم المنتقِد ألا ينظر إلى الترجمة بصفتها نَقْلَ رسْم، أو أن يكون دور المترجم شبيها بما تقوم به المرآة، وإنما بكونها وجهة نظر أو قراءةً مغامِرة، قد تتعرض لخسائر مثلما قد تحقق أرباحاً، لأنها فِعْلُ تَوسُّط بين طرفين يحتمل النجاح أو الفشل، ومن ثَمَّ فأصعب الكتُبِ تأليفاً هي المترْجَمَة، وأفضل الترجمات هي التي لم تنجز بعد، مثلما ذهبَ إلى ذلك بعضُهم.

أعتقد أنّ المترجِم ينبغي أن يكون أكثر الناس رِفقاً بأخيه المترجِم، وأكثرَهم تعاطفا معه وتضامنا، بل ودفاعا عنه، إذ لا فنَّ لغويّ أصعَب من التأليف ترْجَمةً، فالترجمة فيها قسط من المعاناة، ولا ترجمةَ يسيرة، مثلما أنْ لا نصّ أدبيّ سهل الترجمة، ولو أنّ طبيعة الصعوبات التي نُصادفها تتنوع، بالطبع، وَفق طبيعة نص الانطلاق.

المساهمون