مرثيات

مرثيات

13 مايو 2020
غيلان الصفدي/ سورية
+ الخط -

أنت رجل هادئ، هذا لا يعني أنك لا تغضب. لكن لا أحد يرى جيوشاً من القش تتحارب في رأسك، وأكثرَ، لا أحد يرى هذا الرماد الهباء الذي يتطاير حول غيابك.

أحياناً لا يخلو طيشك من الحكمة/ طيش مضحك بلا جمهور، حكمة أكثر إضحاكاً لأن هتّافَها أشباح/ بين رغبتك في أن تترك أثراً وبين أن تمضي خفيفاً مذعناً لأوامر العدالة البعيدة أرجأتَ جسدك هيأته للمحتوم.

لن تتكلّم عن إقامة الألم هنا، عن شؤونه المُطبِقة، ولا عن بروق ورعود الندم التي تجعل بيتك مقطعاً من القيامة.

أنت رجل خائف، وكل ما تريد فعله أن ترمي بتلويحة وداع بابتسامة لكل أولئك الذين أخافوك.



أكثر من ندّابة ستقف على حافة اسمك الذي سيطمره النسيان، أكثر من أم وأخت لن يتسنّى لهنّ حضور تأبين ظلّك وقد تقلّص إلى متر ونصف. لكنّ امرأة واحدة ستدفن مستقبلها... ما تبقّى من حياتها مع رماد جثّتك الذي (أوصيتَ) أن يُرسل إلى البلاد التي وُلدتَ فيها، تلك البلاد التي لا تصلح سوى للموت.



دع الهواء يدخل... سيختلط بأنقاض هذه المتاهة الصغيرة. هذه الغرفة المدفن. إنه يتوافد مثل دفقات متعبة أتعبها الجري لآلاف السنين... مثل أنفاس هذا الكوكب المتقطّعة.

دع الهواء. دع هذا الهرِم المتصابي يحرّك الظلال التي تحوم حولك... دعه يدخل إنه سيضحى قطعة ثقيلة من النسيان سيضحى أثقل من دموع قلائل سيفتقدونك ثم سينسون.



قطّعتَ حقيقتك/ ما يعادل أوهامك عن نفسك/ إربأ لهم.عفاريت الصداقة والحب. بكلمة أخرى، تمثالك الذي حطّمته وجمّعته آلاف المرّات ليروك فرأوا فؤوسهم. لم تكن في الخلاصة قبل النقطة الأخيرة، ولم... لم تكن في التفاصيل أسماكاً تبلعط نصفَ ميتة في ماء النص، طيوراً (ترقص مذبوحة) في هواء الفعل. كنتَ روحاً صادقاً في هيئة جسد مخاتلة.

وُجدت نصف ميت ليحبك/ ليعترف بك/ أنصافُ ميتين.

أيها الرجل الذي أنفقَ وقته يشعل نارأ جانب قبره. ليضيء الاسم الممحو على الشاهدة
لا تبتئس أنت أصلح منهم في رثاء نفسك.



لقد نسيتَ شكل الحجرات، فأنت تعيش في ممر تحت الأرض حيث الرطوبة ورائحة العتمة والأدوات الحادة التي تتساقط من نومك المتقطّع بوسعها أن تدفعك إلى أن تذرع المجاز جيئة وذهابا، ثم تضجر فتترك يدك لوقت طويل على قبضة باب يفضي إلى عالم مكشوف. لن يفهم أحد كيف أسعفك الحظ أن تتجمّد واقفاً في المصادفة المتجمدة... في اللحظة التي لم تجئ من الماضي ولن تمضي إلى المستقبل.

يقال إنك ربيّتَ الظلالَ الداكنة في مكانك حتى أضحت أشباحاً، وإنك ترسلها آخر الليل إلى أشخاص يفكرون بالموت والحياة من غير طائل، ويُقال إن تلك الأشباح تعود إليك بسلال مليئة بالحكايات، ولكنك لا تقوى على إفراغها، ويقال إن أبطال الحكايات تلك تعينك في إنهاض نصفك الميت كل صباح.


* شاعر سوري مقيم في نيويورك

المساهمون