مرآة شكسبير

مرآة شكسبير

21 ديسمبر 2018
("هاملت"، ناتان ألتان/ روسيا)
+ الخط -

كلُّ أمّة ترى وجهها في مرآة شكسبير، هذا ما تشير إليه مارغريت ليتفين، في كتابها: "رحلة هاملت العربية"، حيث تدرس كيف أعاد الكتّاب العرب صياغة شخصية هاملت ليساعدهم في التعبير عن رسائلهم الفكرية والسياسية.

الطريف أن معظم التيارات السياسية والفكرية العربية، من اليسار واليمين والوسط، استخدمت هذه الشخصية الشكسبيرية في خطابها الفكري والأيديولوجي، سواء عبر التعبير الأدبي، وهنا يبرز دور المسرح كنوع أدبي قادر على تجسيد الشخصية وتقديم خطابها، أو عبر الشعار الفكري الذي يلخص التوجّهات السياسية، إضافة إلى المقالة السياسية أو الفكرية.

والملاحظ أن الاهتمام بشخصية هاملت واستخدامها في التعبير الأدبي ظهر بصورة واضحة وعبر أكثر من كاتب بعد منتصف القرن العشرين. والقائمة المشمولة بهذا كبيرة ومتنوّعة من حيث الانتماءات الفكرية، من صلاح عبد الصبور إلى ألفريد فرج إلى مصطفى محمود إلى ممدوح عدوان إلى صادق جلال العظم وغيرهم.

فإذا تذكّرنا أن منتصف القرن شهد استقلال معظم الدول العربية عن الاستعمار (الفرنسي والبريطاني والإيطالي)، فإن استخدام هاملت يبدو موجّهاً للتعبير عن المشاكل أو المسائل الحياتية والوجودية التي شغلت العربي في مواجهة التآمر الخارجي، أو السلطة الحاكمة التي حلّت محلّ المستعمر، بحيث أضحى هاملت "يحمل نقاشاً معاصراً للهوية العربية الحديثة، ومؤسّساً لها إلى حد كبير"، وظهر الحكّام على أنهم اغتصبوا السلطة على غرار عم هاملت، بينما كانت الدول المستعمِرة هي المغتصِب من قبل.

السؤال الذي يمكن أن يخطر في البال بعد قراءة المقدّمة التي كتبها جمال عبد المقصود للترجمة العربية التي اضطلع بها لمسرحية هاملت، حيث يجري مقارنات وتصحيحات عديدة للترجمات التي سبقته، وبعض تلك الترجمات كانت قد أدخلت وعياً مختلفاً عبر الترجمة على المسرحية وعلى شخصية هاملت، هو: مَنْ المترجم العربي (أو الترجمة العربية) الذي اعتمدت عليه التيارات الفكرية العربية مَرجعاً في تشكيل الرأي، بل الوعي، بمسألة هاملت؟ وما دور المترجِم العربي أو الترجمة، في صياغة الوعي السياسي العربي في هذه الحالة؟

فمن المعروف أن مسرحية هاملت قد تُرجمت أكثر من مرّة، إذ ترجمها خليل مطران، وجبرا إبراهيم جبرا، وعبد القادر القط، ومحمد عوض محمد، وجمال عبد المقصود وغيرهم، وكل واحد من هؤلاء يقول إن الترجمة التي يقدّمها هي النص الذي يقترب من روح شكسبير، ولكنها تختلف عن ترجمة المترجِم العربي الآخر.

ويقترض معظم المثقّفين العرب العديد من العبارات الهاملتية بسخاء غير محدود في الحوارات والمجادلات في ما بينهم، أو في التنظير الفكري ذي الطابع الوجودي في قضية الصراع الداخلي أو الصراع مع الخارج. وأخطر ما في هذا الاقتراض من هاملت أن يُستخدَم، كما تقول ليتفين، "كاستعارة ميتة". وهو ما يحدث بصورة فجّة في التكرار العبثي لعبارة "نكون أو لا نكون"، من قبل الكتّاب وغير الكتّاب كذريعة لإسكات الخصم الذي يُتَّهَم بأنه مع تيار "لا نكون".

المساهمون