سباق

سباق

20 مارس 2017
مارك شاغال/ روسيا
+ الخط -

في سن الخامسة عشرة، حين ماتت جدّتها، تعرّفت إيليثيا بارّا على ذلك الشيء الذي يدعى "الروح". وظلّ هذا الشيء على غموضه القديم بالنسبة إليها حتى وصلت السبعين.

بالمقابل، تعرّفت إليثيا بارّا على جسدها في سن الخامسة عشرة (لن تنسى ليلة النزف الأول، تلك) وظلّ جسدها على غموضه القديم بالنسبة إليها حتى وصلت السبعين أيضاً (وإن كان الجسد أقل غموضاً من الروح بفضل ماديّته ونباهة الأطباء).

وإيليثيا بارّا لا ينتهي عجبها أبداً: تزور المستشفى، فيفهم الأطباء علل جسدها إلا قليلاً. وتزور الكاهن فيفهم علل روحها حتى بشكل أعمق من الطبيب. فلماذا سيّدا وجودِها بقطبَيه لا يؤمن أحدهما بالآخر؟ الطبيب ينظر باستخفاف لكلام الكاهن، والكاهن يبادله الشعور نفسه، وإنْ مداورةً. فكيف ذلك؟

والحال، أنّ جسد إليثيا بارّا ظلّ طوال 55 سنة (طويلة ككابوس وقصيرة كحلم)، في جانب، وظلت روحُها في الجانب الآخر.

فإلى متى؟

أمس احتفلت ابنتاها وأحفادها الخمسة بعيد ميلادها الـ 71، مع تورتة ومفاجآت مذهلة. ثم غادروا، فبقي البيت خاوياً عليها، وراحت إليثيا بارّا تفكّر في جسر يصل الجانبَين.

بعد استغراق في الشيء الأسود الذي كان تحت ناظريها وهي جالسة في الشرفة، صرخت: "وجدتها". كان الشيء الأسود ببساطة هو العجَل الخلفي لبسكليت حفيدتها كارمن، تستخدها الفتاة في عطل الصيف لما تزورها لقضاء أسبوع أو أكثر.

همست إليثيا بارّا لنفسها بتأثّر:

"جسدي في جانب، وروحي في جانب. وعليّ أن ألعب درّاجَ مسافات طويلة بينهما. أيروقك هذا الشقاء في مثل عمري يا ربي؟"

عصفت الريح فسعلت إليثيا بارّا، ثم قامت لتشاهد حالة الطقس على التلفزيون.


* شاعر فلسطيني يقيم في برشلونة

المساهمون