العُبور

العُبور

10 أكتوبر 2019
زينب عبد الحميد/ مصر
+ الخط -

وَصَلتُ وَقتَ الظهيرة إلى بيت صديقي وعائلته
اليوم عيدُ الأضحى،
تبادلنا تهانئ العيد
ونحن نَعرِفُ أن الدَّم يَضرِبُ هناك.


■ ■ ■


تخرُج من بيتِكَ هُنا في الصباح، فَتُعانِقُكَ الأشجار
وتقول لك، خُذ حُلمَك إلى أي سماءٍ شِئتَ
أَما الأوطان التي تحدث فيها الأشياء السيئة فقط
فالناس على عادتهم دائماً يَرفضون
أن يكون أيّ يوم في الأسبوع جميلاً
يَستيقظون صباحاً يَتفُلُون، وهم يقولون ما أحَطَّك يا بلاد


■ ■ ■


هذه وصِيَّتي لَكَ
قبل أن تُهاجِر فَقد تَنجو وَقَد تَهلَك
تأخذ إزميلا ومطرقة خشبية
تدُقُّ بِرفقٍ أسماءَ من تُحِبُّ على شجرة دارِكم وافِرَة الثِّمار
ثُم بعد ذلك
تَجتثها وَتَحمِلُها على ظهرِك
وحين تَصِلُ بعد رحلة طويلة
تَحفِرُ حُفرَةً
وتزرَعُ الشجرة في مكان للغياب
ثُم تَرُشُّها بالماء كما تُرَشُّ القُبور
وحين يَشتَدُّ البَينُ بِك
رَاقِب شَجَرَتَكَ من بَعيد
وقُل للأسماء المَحفورة فيها
هُنا رَاحَتُكم الأبَدِيَةُ أَيُّها الرِّفاق
هنا لا أَحَدَ يَنتظِرُ أحداً
هنا صَباحاتٌ باردة،
وجيرانٌ طيبون وصامتون،
يُلَوّحون بأيديهم لَك من بعيد كأنهم يُودِّعونك،
لَكأنّك ستدخُلُ بيتكَ ولا تَخرُجُ منه سالما
أمّا أنتُم يا أَحِبائي
فبِبَساطَة ستدخلون في موتي وأَدخُل في موتِكم
هنا سَنُغِرِقُ دَمَنا في جُرحِنا ونَقولُ لِلغيبِ إنّا نَنتظر،
لَيلاً ستخرجون من سيقان الأشجار تَصدَحون،
وفي غَمرة فرَحِكُم وَسُكرِكُم
ترتَطِمُ عِظامُ بَعضكم بِبعض، أسمع طقطقَة تُشبِهُ
صَوت انكسار الحَجَر
فَتسقُطون
في الصّباح حين أستَيقِظُ، أُثَبِّثُ أسماءكم على الشجرة
هنا يا أَحبّائي هي الأمكنَةُ التي نَحتَضِرُ
فيها
دون أن نموت
هنا نُحبُّ، ونَتزوّج أحيانا
ونَحتَفِلُ بالطلاق،
وبعد الخمسين، يختفي الأصدقاء لا أقصِد يَموتون
فَقط يختفون،
وبَعدَها، نَكتَئِبُ، وَنَضجر
وآخرون يَستَعمِلُون كِلاباً مُدَرَّبة لِتهدئة أعصابهم
والتّخفيف من حُزنهم.


■ ■ ■


هنا يا أَحبّائي حين أكتُبُ قصيدة عن الحبِّ تخرجُ لي
أغصان شجرة فَتُطالِبُني بالنسيان
أَحبّائي
تَعرفون قصّة الطفل الذي كان يسكن قرب منازل الرُّعاة
أمّا الوَجه الذي أَحمِلُه الآن وسَتَحمِلونَهُ
فَوَجهٌ يتَجَنَّبُه الخائفون على حياتهم من أشرارَ مُحتَمَلين.


* شاعر وأكاديمي مغربي مقيم في مدينة نيو أورلينز الأميركية

المساهمون