حداثيون ومحافظون: خياران ثالثهما التطرّف

حداثيون ومحافظون: خياران ثالثهما التطرّف

04 نوفمبر 2015
عبد الناصر غارم/ السعودية
+ الخط -

إعادة النظر في الفكر الديني، وتغليب كفّة دولة الحريات على الدولة الأمنية، والمجتمع الوطني بدل المدني؛ هي أهم الأفكار التي خلُصت إليها ندوة "المجتمع، السلطة، والدين، في مطلع القرن الواحد والعشرين مغرباً ومشرقاً"، التي نظمتها "جمعية ثويزا" في طنجة، ضمن الدورة الأولى من "منتديات دون حدود".

الندوة التي أُقيمت من 30 تشرين الأول/ أكتوبر حتى الأول من الشهر الجاري، ضمّت مجموعة من المفكرين والباحثين العرب، أبرزهم الطيب تيزيني وعبد الإله بلقزيز وعلي أومليل وعزيز العظمة وناصيف نصّار.

تناول أستاذ القانون الدولي المغربي، عبد السلام الطويل، مسألة وعي المجتمعات تجاه الدين؛ إذ يرى أنّ "المجتمعات المتقدّمة تفهمه وبشكل واع، بينما تفهمه المجتمعات المتأخّرة بشكل متخلّف".

يتّخذ الطويل من "داعش" مثالاً لما ذهب إليه، موضّحاً أن التنظيم هو نتاج لفشل الأنظمة الحديثة الاشتراكية؛ ما أدّى إلى عودة الحركات الإسلامية لتثأر من الإقصاء الذي عانت منه في العقود الماضية، مشيراً إلى عدم وجود نظرية سياسية متكاملة للدولة في القرآن، وإنما بعض المبادئ الأساسية في الحكم والعيش.

لم يتفق الباحث السوري، عزيز العظمة، مع الفكرة الأخيرة؛ إذ أكّد إمكانية استخراج نظرية سياسية من القرآن، مشيراً إلى أن سيد قطب كان أول من قام بذلك.

من جهته، تطرّق الكاتب والسياسي اللبناني، الفضل شلق، إلى فكرة التحالف الدائم بين السلطتين الأمنية والدينية ضدّ المجتمع، مشيراً إلى أن "داعش لم يستطع إيجاد مكان له في المجتمعات العربية إلّا بعد تدميرها بفعل السلطة التي تحالفت مع الجماعات الدينية".

بينما ركّز الباحث المغربي، علي أومليل، على مسألة إعادة النظر في الفكر الديني وفهم المسلمين للدين، وليس في الدين نفسه، داعياً إلى إعادة النظر في مناهج التعليم التي ينتج عنها "مجموعة هائلة من الفاشلين الذين يشكّلون طرائد سهلة للجماعات المتطرّفة".

هذا ما ذهب إليه أيضاً الباحث اللبناني جاك قبانجي، والذي رأى أن المجتمع حاملٌ للسلطة ومقوِّمٌ لها، "هكذا، يؤمّن الدين التجانس الثقافي بين مختلف القوى في المجتمع الواحد". لكن، من جهةٍ أخرى، أشار قبانجي إلى أن "توقّف الكل عن دوره سيجعل المجتمع فاقداً لإمكانية الانسجام، لأن أداء كل العناصر لأدوارها هو معطى سابق لإنتاج المجتمع".

أمّا المفكّر السوري الطيب تيزيني، فتطرّق إلى قضية الفهم الجذري للدين لدى من يجدون أنفسهم ناطقين باسمه؛ موضّحاً أنّ كلّ فرد، بالنسبة إليه، يملك حقائقه الدينية؛ "مفهوم الدين يقوم على ثنائية المطلق والنسبي، فالمطلق لطرف ما، نسبي للآخر. ومن يزعم امتلاك الدين والتكلّم باسمه واسم إله مطلق، لا ينتبه إلى أنه يتحدّث من حيث هو، وإنما يعتقد أنه يتحدّث من حيث المطلق".

في سياق آخر، اعتبر تيزيني أن الدولة الأمنية "تسعى إلى أن تفسد كل ما يُشيّد في المجتمع، حتى يصبح الأخير فاسداً ومفسداً؛ ليبقى الجميع في أمان"، مضيفاً: "هذه الدولة بدأت تسير إلى شكل لا علاقة له بجوهرها؛ حيث يسعى بعضهم إلى إلغاء مفهوم الدولة ببناء مفاهيم مزيفة تقوم على القوانين العرفية".

هنا، واصل الكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز من حيث انتهى تيزيني؛ فربط مسؤولية وضع المجتمعات العربية الحالي، بعدم تبنّي الدولة سياسة طويلة الأمد تجاه المسألة الدينية.

وأشار إلى أن البلدان العربية والإسلامية انخرطت في نموذجين في التعامل مع الهوية الدينية قال إنهما لم يبنِيا علاقة صحية مع الدين؛ ما أدى إلى صعود الحركات المتطرّفة: "النموذج الإقصائي الذي يذهب إلى إقصاء الدين بشكل كامل من أجل تحقيق الدولة المدنية، كما في تركيا مع كمال أتاتورك وتونس مع بورقيبة. أمّا الثاني، فهو الإلحاقي؛ أي الذي يلحق الدين بسياسات الدولة، كما في المغرب والسعودية".

أمّا النخب السياسية، برأيه، فقد انقسمت، هي الأخرى، إلى شقّين: "نخب تقليدية محافظة، وأخرى حداثية علمانية أهملت مسألة الدين باعتباره منتمياً إلى الماضي الذي تحاول نفيه عن مشروعها الفكري، هي المدفوعة بفكرة التقدم لأجل تجاوز الدين والميتافيزيقا في آن واحد".

من هنا، رأى بلقزيز أن التيار الحداثي أفرط في النظر إلى الدين؛ "ما أفسح للتيار المحافظ تبنّي رؤية تقليدية لا تناسب العصر. هكذا، لم ينجح التياران في تغطية الفراغ الذي أحدثه غياب سياسات متماسكة للدولة".

وأشار بدوره إلى غياب حلقة الإصلاح الديني الذي يجب أخذه بحذر شديد لحساسيته، فحتى التجارب الغربية لم تستطع تحقيق النجاح فيما يخصه، سيما مسألة التمذهب.

وخلص إلى أن الإسلام الحزبي طائفي، لأنه لا يتقبل بقية الطوائف في صفوفه. وهذه هي المعضلة الكبرى المطروحة للدولة التي تذهب إلى الأخذ بالدين في الحكم، لأنها ستنتصر لمذهبها وتقصي بالضرورة بقية المذاهب، مما يؤدي إلى تأجيج الطائفية داخل المجتمعات والدول.


اقرأ أيضاً: خارج زوبعة التكفير: لزوميات يوسف الصدّيق

المساهمون