أليس بروكتر: جولات فنية مزعجة في المتاحف البريطانية

أليس بروكتر: جولات فنية مزعجة في المتاحف البريطانية

20 يونيو 2020
(منحوتات الطوطم لقبائل الهايدا في "المتحف البريطاني")
+ الخط -

في عام 2018، كانت مؤرخة الفن الأسترالية والقيّمة أليس بروكتر تشرف على جولات تعريفية وإرشادية في بعض المتاحف البريطانية، لكنها قررت أن تقوم بتجربة أطلقت عليها "جولات فنية مزعجة"جربت فيها لعبة أن تقلب دور المرشد السياحي، أن تجعله كاشفاً لأسرار وحقائق لم يجر الاتفاق عليها مع الجهات المنظمة، ولم يعتد السياح سماعها.

كانت بروكتر تخبر المشاركين في جولاتها القصة غير المنقولة عن مقتنيات المتاحف البريطانية، وتروي لهم دور حقبة الاستعمار وفظائعها في وجود هذه المقتنيات في كل جناح كانوا يزورونه. مستلهمة هذه الجولات (التي كانت تجربة فنية في الأساس) كتبت بروكتر عملها الصادر حديثاً بعنوان "الصورة كاملة: القصة الكولونيالية للفن في متاحفنا ولماذا نحتاج للحديث عنها" (هاشيت).

تفتتح المؤلفة كتابها بعبارة من كتاب "خطاب عن الكولونيالية" لإيمي سيزار؛ "تثبت الفظائع أن النشاط الاستعماري، المشروع الاستعماري، الغزو الاستعماري، الذي يقوم على ازدراء السكان الأصليين ويبرّر هذا الازدراء، يغّير حتماً في من يقع عليه هذا الفعل؛ المستعمِر، الذي من أجل إراحة ضميره يعتاد على رؤية الإنسان الآخر كحيوان، يعتاد على معاملته كحيوان، وهذا يميل بشكل موضوعي إلى تحويل نفسه إلى حيوان. هذه هي النتيجة المرتدة للاستعمار، التي أردت أن أشير إليها".

في الكتاب قصص لقطع تساوي اليوم ملايين الدولارات، لكنها لم تصل إلى مقرّاتها في المتاحف إلا مضرّجة بالدماء وملطخة بقصص العنف والاستغلال والعنصرية؛ نقرأ قصة "ماسة بيت" التي قتل صاحبها وهو أحد "العبيد" الذي عَثَر عليها عام 1698، قبل أن تُصبح "ملكاً" للتاجر الإنكليزي توماس بيت.

كذلك تروي قصة سيف السلطان تيبو الذي حصل عليه البريطانيون بالقوة أيضاً، إلى جانب قطعة تُعرض اليوم في "متحف فكتوريا وألبرت"، وهي قطعة فنية ميكانيكية من القرن الثامن عشر كانت هدية للسلطان تيبو أيضاً، وفيها نمر ينهش رجلاً أبيض وهو حيّ، وقد زودت القطعة بآليات داخل النمر وجسد الرجل تجعل يد الرجل تتحرك، ويُسمع صوت نحيب الرجل وهمهمات النمر.

في الكتاب قصص لمزهريات، وتوابيت، وقرابين وأعطيات كانت تقدم للآلهة القديمة من المجوهرات والتماثيل وغيرها، ودروع وحتى أن هناك قصصاً عن قطع الآثار المزوَّرة، والحيوانات، وتفرد المؤلفة فصلاً للموكوماكاي وهي رؤوس رجال قبيلة الماوري؛ السكان الأصليين لنيوزيلندا التي لم تعد تعرض ولكنها محفوظة في متحف نيوزيلندا، كما تفرد فصلاً لمنحوتات قبائل الهايدا وهي إحدى قبائل السكان الأصليين في غرب كندا.

تعود بروكتر أيضاً إلى ما يعرف بـ "حدائق الحيوانات البشرية"، والمعروفة أيضًا بالمعارض العرقية التي كانت منتشرة بين القرنين التاسع عشر والعشرين ليس في لندن فقط، بل في باريس وبرشلونة وأنتروب وهامبورغ ونيويورك وميلانو، ويعرَض خلالها في أقفاص أُناس من عرق غير أوروبي من أفريقيا أو من السكّان الأصليين.

بالعودة إلى مغامرة بروكتر الأولى وجولاتها التي قادتها إلى تأليف الكتاب؛ فقد كانت الجولات في بدايتها سرّية وأشبه بالتسلّل، تقول: "لكنني كنت دائمًا قادرةً على الإفلات من إدارة الجولات لأنني عملت في المتاحف وكنت أعرف البروتوكولات".

بطبيعة الحال، فإن المتاحف في بريطانيا لا تضع قيوداً أو رقابة على المجموعات المصحوبة بمرشدين، لكن الجولات التي باتت تكتسب زخمًا لفتت الأنظار، وبعد ستة أشهر تنبهت المتاحف إلى ما تقوم به بروكتر، لكنها وجدت صعوبة في إيقافها، فاستمرت وأجرت المرشدة جولاتها المزعجة في ست مؤسسات بريطانية كبرى.

يبدو كتاب "الصورة كاملة" مثل أي كتيب إرشادي نشتريه حين نزور المتاحف، لنعرف شيئاً عن المعروضات وتاريخها، لكن الجديد في عمل بروكتر أنه "يفكّك كل شيء تعتقد أنك تعرفه عن الفن" كما تصفه الناقدة سالي بروير في مقال بصحيفة "كانبير تايمز" إثر مقابلتها للمؤلفة، حيث ترى الأخيرة أن الأمر لا يتعلق فقط بتاريخ مجموعة من الأشياء، بل بكيف "يتم تقديم السرد العام لذلك التاريخ وتفسيره، سواء كان ذلك من خلال الثقافة الشعبية والأدب والسينما أو حتى من انتقائية مناهج التاريخ". تقول بروكتر إن "بريطانيا لديها ميل غريب إلى رؤية نفسها ومؤسساتها باعتبارها حارسة التاريخ.. وكثير من هذه المؤسسات ابتلعت هذه الأسطورة التأسيسية التي يمكنها من خلالها سرد قصة العالم بأكملها".

دلالات

المساهمون