قام بدّل أثوابه وانتهتْ ليلةٌ قلِقة

قام بدّل أثوابه وانتهتْ ليلةٌ قلِقة

20 سبتمبر 2018
(خيري منصور في "وسط البلد" بعمّان)
+ الخط -

قبل الأوان
سوف أوقن يوماً بأن الذي
ضاعَ.. ضيعْتُهُ للأبدْ
وسأوقن حتماً بأني أخطأت باب الدخول
فالشكوك القديمة كانت كفيض الجسدْ
والتردّد.. كان ابتداء القبول
كان حبلاً يحزّ الخطى.. من مَسَدْ
وذئاباً تسدّ منافذ كل الحقول
سوف أوقن يوماً بأن الذي
ضاع ضيعتُهُ للأبد
وأن الذي "ما يزال".. يزولْ
سمّه أنت ما شئت
لكن هذا الندم
حلّ قبل الأوان..
وقبل الأوان انفطم
سمّه "كان".. أو "مات"
أو مزقته الوعول
سمّه جسداً أو ولد
سَمِّه ظبيةً أو بلد
سَمِّه موجةً أو زَبَدْ
سمِّه لحظةً أو أبدْ

***

سَمِّهِ أنت ما شئت...
لكن هذا الندم..
حلّ قبل الأوان..
وقبل الأوان انعدمْ


■ ■ ■


بعد الأوان
قد يفوتُ الأوانْ
- أنذرت يده جسده
- قد يفوت الأوانْ
بعد عامين أنذره الخيزرانْ
فمضى يرتجي مَوْقدِهْ
جمرةٌ.. أو بقايا دخانْ

بعد عشرين.. كان الحصانْ
يعض أصابع من أوتده.


■ ■ ■

النوبة الليلية
الليلةَ/
تخرجُ من قمصان الوطنِ السوداءِ
أقمارٌ..
تمطر للأشجار ظلالاً
ودروبا آمنة للعشّاق..
تتعرّى الأشياءُ..
تكوّر أردافاً عالية كالأفراسِ
وتصهل.. توقظ أبعد نجمٍ
يترنّح فوق سرير الريح.


■ ■ ■


اللوحة
امرأةٌ وحصانٌ مكسورْ
يقفانِ على الحائط
الساعةُ واقفة خلفهما
ولكنَّ الوقتَ يدور

انحنت المرأةُ في الصورة
أمْسكَت الساق المكسورة
الساعة.. دقَّتْ.. دَقَّت
فَزَّ الرسام المخمور
قَلبَ الصورة...
فتوقفت الساعةُ ثانيةً...
واستَوَت المرأةُ ترقبُ في السقفِ حصاناً
يعدو/
وأصابع تركضُ مذعورة!


■ ■ ■


عندما يحلم البحر
السماءُ تهيّئ من زرقةٍ فائضة
للصبيّة شالاً
وللبحر عينين يبصرها،
حين تحلمُ أنَّ السرير
... يميلُ على الموجِ
يرتاحُ فوق شراشفِهِ
نورسٌ مِنْ حريرْ
كلُّ شيءٍ بهذا المساءِ
يكابدُ ما فاضَ مِنْ لونِهِ
كل شيء بهذا المساء غريقْ
آنَ لامرأةٍ
نسيتْ في المرايا اشتعالاً
وفي البحرِ شالاً
وفوق الشراشِفِ ثوباً أنيقْ
آنَ لامرأةٍ
خبّأتْ في النعاسِ قرنفلتينِ
وبين الوسائد هذا الرّحيقْ
آنَ أنْ تستفيقْ
لِتعيدَ إلى البحرِ
ما يجعلُ البَحْرَ بَحراً
وإلى الليل ما يجعلُ الليل ليْلاً
وإلى رجلٍ موحشِ الروحِ
دفء الصديقْ
آنَ لامرأةٍ
من رحيق السماوات
أن تستفيقْ


■ ■ ■


الحديقة
شجر
وحدهُ...
كالنوافير يصعد.. يهبط
لا يتعبُ
شجرٌ... وحده يلعبُ
حين تسقط أثمارُهُ
وحدها
يكتبُ:
آه مَنْ جعل الغصنَ هذا العصا
آهِ مَنْ أنبتَ الشوك في جسدِ الليلِ
من سَنَّ ناباً لهذا الحصى؟
آهِ من جعلَ البُلبُل الطفلَ من خوفِهِ
يَنعبُ...؟
مقعد...
وحده
مثل أرملةٍ ضجرة
ساعةً: يتذكرُ تلميذةً جلست خائفة
ساعة يرتضي أن يحدّق في زرقةِ الأفقِ
أو يتأمّل فأساً تحوم على شجرة
رجلٌ...
وحده
يتذكّر ليلاً بعيداً ورائحة عطرة
رشحت من ثيابِ الصديقة
عندما ركضنا تحت أمسيةٍ ممطرة...
شجرٌ...
مقعدٌ...
رجلٌ... وصديقة
يبحثون معاً في المدينةِ
عن أثرٍ للحديقة.


■ ■ ■


رميم
سأتضح الآن أكثرَ
إن الرواية شارفت على الخاتمةْ
وفي آخر الفصل تشتعل النار في الماءِ
والماء أصلب من صخرة جاثمةٍ
نهشتها الضباع ولما تزلْ
تتحسس "إليتها" الناعمةْ...
سأتضح الآن أكثر
هذه الجموع من السائمةْ
لن تقوم لها قائمةْ.


■ ■ ■


قصيدة قلقة
عائداً كان للتوّ مِنْ حفلةٍ
دارَ فيها حوارٌ عن
الطقْس
والسوق
والليل في مدنِ العالم الحرّ
قالت له امرأةُ نزِقَة
- نحن يا سيدي نقتلُ الوقتَ بالوقتِ
والليلَ بالليلِ
فلنرقص الآنَ..
دارت على قدمٍ..
رقصت وحدها
صفقّوا..
وهوت فوق مقعدها مُرْهقة

عائداً كان للتوّ من حفلة..
يتحسس حول استدارة ياقتهِ عَرَقهْ
عندما أشعل الضوء في الغرفة الضيقةْ
وتمدّد فوق السّرير غفا
أيقظت روحه همسةُ امرأةٍ نَزِقةْ
كان شيءٌ يوزع في كل زاويةٍ عَبَقهْ
قام بدّل أثوابه
وانتهتْ ليلة قلقةْ.


■ ■ ■


غِزلان الدم
أسئلةٌ تورقُ في الصحراء
ولا ماء
سنبلة تنثر في الريح ضفيرتها وتصيحُ:
تعالوا
هذا وجهٌ يعرفني..
يتهجّاني جرحاً جرحاً ويناديني/
أتذكّر ماءً غيرَ الماء
عشباً غيرَ العشبِ
وليلاً يتناسل أيّاماً موحشَة
ترعى ظلّي

ما أعذبَ أن يتجولَ سيفٌ في جسدي
هذي الساعةَ...
ما أعذبَ.. أن أتلاشى
يمرق من نافذة مشرعة لليل وصيحات امرأتي
قمرٌ زنجيٌّ يشحذ خِنجرهُ:
لن يُرتق هذا العصر بغير دمي
أعرفه صوتك يا امرأتي
أسمعه الأن صدى شجرياً يهتفُ يا حقل أتيتُ
ودماً بشرياً يهتفُ
يا بحرُ أتيتُ

أعتقني سيفٌ همجيٌّ
من قلب نبي وأتيتُ
أأقسّم موتي/
وأقولُ هي الساعةُ قد بدأتْ
هذا عمر ثان فاقتربوا

نصغي للنهرِ يراودُ قُبّرةً
للسيف يراودُ حنجرةً..
لدم يتغرّبُ في الرمل ولا قبرُ
ولأجساد تعلنُ مملكةَ الضوءِ
وتعلنني "قدساً" للضوء
ولا عرسُ

أأقول هنا بدء..
وأسوّي لكم غيركم
أأسوّي ليلاً ونهاراتٍ
وشعوباً تسعى
أأسوي لكم غيركم....
يا أرملة الحب ويا ذكرَ الطيرِ
ويا أنثى الإنسان
قلت/ لدي دمٌ يكفي كلَّ إناث الطيرِ
وكلَّ الأجسادِ الممنوحةِ للظمأ الأبدي

وقلت أنا المنثورُ على الطرقات/
دعوني

(يتوضأ عاشقٌ)
(يشرب نسر مكسور)
(يملأ صحفي قلمه)
(تدهن عاهرة شفتيها)

منذور للصوت الآتي
ودمي غزلان متعبة.


* قصائد مختارة من "الأعمال الشعرية"

المساهمون