فن "العيطة".. خطوة خارج دائرة الشفاهي

فن "العيطة".. خطوة خارج دائرة الشفاهي

05 اغسطس 2018
(ساحة جامع الفنا في مراكش، 1930)
+ الخط -

ترتبط أهميّة تدوين التراث اللامادي، سواء المتعلّق منه بالممارسات والتصوّرات والتقاليد والمعارف والمهارات الشعبية، أو بأشكال التعبير الشفاهي، بتعزيز الانتماء والحفاظ على الهويّة والتنوّع الثقافيَّين. غير أن حماية الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، التي تُمثّل الجزء الأكبر في التراث غير المادي، هي الأكثر صعوبةً؛ نظراً إلى طبيعتها الشفاهية وصعوبة انتقالها إلى مستويات التوثيق والكتابة.

في المغرب، تُصنَّف معالم ثقافية عديدة ضمن التراث الثقافي؛ مثل "ساحة الفنا" في مراكش، وشجرة الأركانة، و"موسم طانطان". لكن التراث الشعبي الموسيقي المغربي المتنوّع، يظلّ الشق الأهمّ منه، بحكم ارتباطه بوجدان المغاربة.

ويُشكّل "مهرجان العيطة"، المخصَّص لهذا اللون الموسيقي الشعبي التراثي، والذي يُنظَّم سنوياً في مدينة آسفي، مناسبةً، ليس فقط لاستعادة فنٍّ أخذ ينحسر يوماً بعد يوم، بل أيضاً لمناقشة طرق حمايته والحفاظ عليه من الاندثار.

خلال الدورة السابعة عشرة من المهرجان، والتي نُظّمت فعالياتها قبل أيّام، أُقيمت ندوة بعنوان "تراث العيطة ورهانات الأرشفة والتوثيق"، شارك فيها كلّ من: سعيد يقطين، ومحمود عبد الغني، وسعيد اللقبي. وكان موضوع الندوة، في الأساس، إحدى التوصيات التي خرجت بها ندوات سابقة في المهرجان.

في مداخلته، اعتبر يقطين أن التراث الشعبي الغنائي في المغرب تُميّزه ثلاثة أنواع رئيسية؛ هي: "العيطة" التي يصفها بأنها نصّ منفتح، و"الساكن" الذي يتراوح بين الانغلاق والانفتاح، و"القصيدة" التي تُعتَبر نصّاً منغلقاً ومنتهياً، وفق تعبيره، مضيفاً أن "توثيق هذا التراث الموسيقي يقتضي وضع حدّ لانفتاح نصوصه، للتمكّن من نقلها من المستوى الصوتي إلى فضاء الكتابة".

ويتّفق عبد الغني مع يقطين في أن تدوين الذاكرة الشعبية المغربية من شأنه حماية الهوية، والانتقال إلى "لحظةٍ معرفية واعية"، خصوصاً مع انفتاح الباحثين والنقّاد على هذا المكوّن الثقافي في السنوات الأخيرة.

غير أن سؤالاً منهجياً يبرز عندما يتعلّق الأمر بعملية التدوين؛ وهو: كيف يُمكن أن نكتب هذه الذاكرة الشعبية؟ هنا، يدعو المحاضران إلى تشكيل مجموعات بحث، بحسب المناطق الجغرافية، لجمع أشكال الثقافة الشعبية التي يصفها يقطين بـ"المغرب الثقافي".

لا يختلف يقطين وعبد الغني، واللقبي كذلك، على أن جمع التراث الثقافي وتدوينه وتصنيفه توثيقه أمورٌ تتطلّب إرادةً سياسية؛ حيثُ تبرز مسؤولية الدولة في توفير الشروط اللوجستية اللازمة، من فريق عمل يجمع باحثين وخبراء، إضافةً إلى الفاعلين في هذه الذاكرة؛ مثل "الشيوخ" و"المعلّمين". ويذهب اللقبي إلى ضرورة تسويق التراث اللامادي اعتماداً على منهجية جديدة تمزج الثقافي بالتنموي بالسياحي.

دلالات

المساهمون