محمد العبدالله: وجوه الشاعر الموزّعة على قصائده

محمد العبدالله: وجوه الشاعر الموزّعة على قصائده

26 مارس 2016
الشاعر في بورتريه لـ سعد بن خليف (العربي الجديد)
+ الخط -

في مداخلةٍ هاتفية قدّمها أحمد قعبور، أثناء لقاء كان يجريه زياد الرحباني على إذاعة "صوت الشعب"، تبادل الموسيقيّان الحديث والعتاب، وقال الرحباني للأوّل: "أفضّل أغنية "شو بعاد" على "أُناديكم".. كانت فكرةً جديدةً، خصوصاً أن كلماتها لم تكن ممّا اعتاد الجمهور عليه".

وزّعَ الأغنيةَ صاحبُ "فيلم أميركي طويل"، ولحّنها وغنّاها قعبور بعد أن قرأها منشورةً في إحدى الصحف، بتوقيع شاعرها، محمد العبدالله (1946 - 2016)، الذي رحل قبل أيّام، عن سبعين عاماً. رغم عمل العبدالله مع كثير من المغنّين والملحّنين، إلّا أن اسمه لم يكن حاضراً كما حضرت أسماء شعراء آخرين لعب الإعلام والمغنّون دوراً في تكريسهم، لدرجة نسْب بعض ما كتبه العبدالله إلى غيره.

هكذا، كشعراء كثرٍ ظلّوا غرباء عن نصوصهم في الحياة العامة؛ كان العبدالله غريباً بالنسبة إلى الجمهور كشاعر، لكن نصّه المُغنّى، في المقابل، ظلّ مطلباً لدى المُستمعين الذين حين يحضرون، مثلاً، حفلاً لـ أميمة الخليل، لا يمرّرونه من دون أن يطلبوا "وقلت بكتبلك".

إن حاولنا تتبُّع ما غُنّي لصاحب "رسائل الوحشة"، يمكننا تلمُّس شخصية/ شخصيات مجنونة، بمقدورها أن تكتب بمنتهى "الرومانسية" أحياناً، وبمنتهى السخرية والقسوة في أحيان أخرى، إلى جانب بعض الأغاني التي يُمكن تسمتيها، وإن لم يصحّ التعبير تماماً، بـ "الوطنية".

في "مكتوب"، أو "وقلت بكتبلك"، يذهب بنا العبدالله إلى حميمية الريف الذي وُلد فيه (بلدة الخيّام في الجنوب). يعود إلى تلك التفاصيل القروية البسيطة، وطرق العشّاق في التعبير عن أنفسهم، مُستدعياً البلدة وأجواء طبيعتها: "وقلت: بكتبلك. يمكن حدا بيناتنا واقف/ تخمين بدّك ترجع وخايف/ ناطر، نسيت عنواني، مشغولْ/ معقول؟ يروح ويجي بيناتنا أيلول/ ويموت فوق السّهل لون الليلكي".

في أغنية "من هنا تبدأ الخارطة"، التي لحّنها وغنّاها مارسيل خليفة؛ نجد أن الموسيقى اتّخذت منحىً مُختلفاً، لتُدرك الغضب الذي اتّسم به النص؛ إذ نتلمّس في اللحن ما يشبه المارش العسكري، والدفق الحماسي: "يجيءُ رصاصُهم من القلب/ يأخذ منذ البداية شكلَ القتيل/ إنه العاشقُ القاتلُ المستحيل".

عودةً إلى ما غنّته أميمة الخليل، تلفتنا أغنيتان في سخريتهما، هما "إلى آخره" و"فاضي المدى" (دون كيخوته). في الأولى، التي غاب عنها الغضب والرومانسية، لتحلّ أجواء سياسية تنتمي إلى المدينة التي عانت ويلات الحرب، يبدو العبدالله وكأنّه يوجّه تهكّمه لذاك السياسي الثرثار: "صار لازم تسكت يا بعدي".

وفي "فاضي المدى"، يستدعي صاحب "البيجاما المقلمة" دون كيخوته، بأسلوبٍ يترك النّص مفتوحاً على التأويل؛ من يقصد؟ السياسي؟ العاشق؟ الشاعر نفسه؟ يقول: "ع طول بتَرشِق حكي وموَسْوَس بحالو/ ولمّن طواحين الهوا بتطحن هوا قبالو/ بيعنّ ع بالو الهوى/ وبتتقل حوالو/ وبيصير يطعن بالهوا/ ويلعب على حبالو".



اقرأ أيضاً: محمد العبدالله.. رحيلٌ بلا هوادة

المساهمون