السينما التونسية.. استعادة الواقع

السينما التونسية.. استعادة الواقع

25 فبراير 2016
(لطفي العبدلي في فيلم "شبابك الجنة" لفارس نعناع، 2015)
+ الخط -

خلال السنتين الأخيرتين، شهدت السينما التونسية انتعاشة تجلّت في حجم الإنتاج وجرأة المواضيع المطروحة، وهي نقلة نوعية انطلقت من الأفلام الوثائقية وتحوّلت مؤخّراً إلى الروائية، وساهمت في جعل مشاركة الأفلام التونسية في المهرجانات أكثر وقعاً، حتى باتت تنافس على جوائزها.

نهاية الأسبوع الماضي، حاز الفيلم التونسي "نحبّك هادي" على جائزة أفضل عمل روائي أول في "مهرجان برلين السينمائي الدولي"، وحصل بطله مجد مستورة على جائزة أفضل ممثّل. وبذلك، يكون العمل أحد الأفلام العربية القليلة التي وصلت إلى المنافسة والفوز بإحدى جوائز "مهرجان برلين" الكبرى منذ عقدين.

يبدو "نحبّك هادي" وقد أخذ شيئاً من الأضواء الموجّهة إلى "على حَلّة عيني" لليلى بوزيد، وهو أيضاً فيلمها الطويل الأول. العمل الذي حاز مجموعة من الجوائز العربية نهاية العام الماضي، يشارك قريباً في مهرجانات البندقية وتورونتو وبوزان. يراجع الفيلم آخر لحظات ما قبل ثورة 2011، حيث يروي قصة شغف الشابة فرح بالموسيقى في مواجهة مجتمع محافظ ونظام بوليسي على وشك الانهيار.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يرى الناقد السينمائي خميّس الخياطي أن ما يعرفه المشهد السينمائي التونسي اليوم ليس جديداً، فقد شهدت الساحة التونسية بين الثمانينيات والتسعينيات انتعاشة مماثلة جرّاء رؤية جديدة تعزّزت بدعم المنتج الراحل أحمد بهاء الدين عطية وتعاونه مع المخرج النوري بوزيد، فأُنتجت أعمال مهمّة مثل "ريح السد" و"صفائح من ذهب"، وكذلك فيلم "حلفاوين" للمخرج فريد بوغدير، إضافة إلى "صمت القصور" لـ مفيدة التلاتلي، و"سلطان المدينة" لـ المنصف ذويب، كما أنتج حسن دلدول أفلاماً جيدة من إخراج الناصر خمير ومحمود بن محمود.

وحول أفلام ما بعد 2011، بيّن خياطي أن "أفلام ما بعد الثورة استفادت من حرية التعبير في طرح المواضيع بلا مواربة، كما استفادت من التقنيات الحديثة التي أتاحت تخفيض التكلفة الإنتاجية".

من جهة أخرى، يشير الناقد التونسي إلى أنه "رغم قيمة هذه الأفلام، فهي لا تجد جمهوراً عريضاً من التونسيين بسبب عدم اهتمام التلفزيونات التونسية باقتناء حقوق البث وتقديمها للمشاهد التونسي، إضافة إلى قلّة عدد قاعات السينما في البلاد".

وفي هذا السياق، يذكّر بمجموعة من الأفلام مثل "جمل البروطة" لحمزة العوني و"بابل" للثلاثي إسماعيل وعلاء الدين وفخر الدين، و"الحي يروح" لأمين بوخريص و"شلاط تونس" لكوثر بن هنية.

المتابع للكتابات النقدية التي ظهرت مؤخّراً في الصحافة التونسية، يلاحظ اعترافها بالفارق الملموس في السينما التونسية قبل وبعد الثورة. بين نهاية 2015 وبداية 2016، خرجت قرابة العشرة أفلام، منها "عزيز روحو" لـ سنية الشامخي، و"قصر الدهشة" لـ مختار العجيمي، و"خسوف" لـ فاضل الجزيري، كما تنتظر الساحة هذا العام أعمالاً واعدة مثل "زهرة حلب" لـ رضا الباهي و"تونس بلوز" لـ لطفي عاشور.

يعتبر المخرج السينمائي النوري بوزيد (1945) أن "جيلاً جديداً من السينمائيين والمخرجين ظهر على المشهد السينمائي التونسي بعد الثورة"، مضيفاً "البداية كانت مع الأفلام الوثائقية، وقد أقبل عليها المخرجون لأنها أسرع تنفيذاً وأقل تكلفة". ويتابع صاحب "عرائس الطين" إن السينمائيين الشباب "يتّجهون اليوم إلى الأفلام الروائية برؤية جديدة وجرأة، افتقدتها الأجيال السابقة التي تضرّرت من الدكتاتورية والقمع الفكري".

أمّا المخرج الشاب فارس نعناع، الذي كان شريطه "شبابك جنة" من بين الأفلام التونسية المتوّجة في المهرجات العربية في النصف الثاني من 2015، فيعتبر أنه "لم تعد هنالك عوائق في طرح أي موضوع في السينما التونسية، فلا تبقى سوى تلك الحدود التي نرسمها لأنفسنا في بعض الأحيان"، مضيفاً أن "المخرج الشاب في تونس أصبح يشتغل بأريحية ومن دون التفكير في مقص الرقيب".

يضيف نعناع بأن السينما في بلاده "أصبحت أكثر التصاقاً بواقع المواطن التونسي بعدما كانت في سنوات قبل الثورة في قطيعة تامة معه". وفي ما يخصّ الزخم في الإنتاج، قال إن "التقنيات الحديثة سهّلت عملية الإنتاج وإن وسائل الاتصال الجديدة جعلت من عملية التوزيع والتعريف بإنتاجهم أكثر بساطة وسهولة وزادت مساحة الجمهور الذي تصل إليه أعمالهم".

النقلة النوعية للسينما، ستصطدم بلا شك بمعيقات يعرفها الفن السابع منذ سنوات في تونس، أبرزها محدودية عدد القاعات، وبالتالي تقلّص الجمهور الذي يتعرّض إلى عملية تعويد على نوعية معيّنة من الذائقة الفنية التي يقترحها التلفزيون، إضافة إلى الدائرة شبه المغلقة للمنتجين، بين دعم وزارة الثقافة أو اللجوء إلى المنتجين الأجانب.

يذكر أن وزارة الثقافة التونسية تخصّص سنوياً قرابة 4 ملايين دينار (حوالي 2.6 مليون دولار) منحاً لإنتاج الأفلام، توزّع على ما يقارب العشرين فيلماً روائياً طويلاً ووثائقياً. لكن، يبدو أن شهية الجيل الجديد مفتوحة على أكثر من هذا الرقم بكثير.

دلالات

المساهمون