حين لا تعود الصرخات تُسمع

حين لا تعود الصرخات تُسمع

18 اغسطس 2016
تصوير: كازوهيرو غوشيما
+ الخط -


سوناتا في المهجر

مطارداً من وطني
عليّ الآن أن أجد متجراً أو باراً
أبيع فيه نتاج عقلي.
هأنذا أطرق ثانية دروباً خبرتها جيّداً.

أبلاني من اعتادوا الهزيمة.
أمضي في طريقي
لكنني لا أعرف بعد من أقصد
حيثما ذهبت يقولون لي: "تهجّ اسمك!"
آه، وهذا الاسم كان يعدّ عظيماً ذات حين.

كان سيسرّني الآن ألّا يعرف ذلك أحد
كشخص سقطت عنه العقوبة.
لا أظن أنهم سيرحّبون باستخدامي.
فقد تعاملت من قبل مع أمثالهم
وأحسّ أن الشكّ يتزايد
في ما إذا كانت خدماتي في الحقيقة سترضيهم.


ألمانيا

"ليتحدث الآخرون عن عارهم، أما أنا فأتحدث عن عاري"

ألمانيا، أيتها الأم الشاحبة
ما لك تجلسين مدنّسة
بين الشعوب
وبين الملوّثين تبرزين.

أفقرُ أبنائك يرقد صريعاً.
حين تعاظم جوعه، رفع أبناؤك الآخرون أيديهم ضدّه.
هذا الآن أمر سيئ الصيت.

بأيديهم تلك المرفوعة ضد أخيهم
يخطون حولك بوقاحة
ويسخرون منك في وجهك.
هذا أمر معروف.

في منزلك تطنطن الأكاذيب
أما الصدق فلا بدّ أن يصمت
أليس كذلك؟

لماذا يمتدحك المُضطهِدون من كل جانب،
لكن المضطَهَدين يتهمونك؟
المستغَلون
يشيرون إليك بالبنان،
لكن المستغِلين يمجّدون النظام
الذي ابتُكر في منزلك.

في نفس الوقت يراك الجميع
تخفين حاشية تنورك الملطّخة
بدم أفضل أبنائك.

حين يسمع الناس الخطب المنبعثة من منزلك يضحكون.
لكن كل من يراك يمسك سكيناً
كما لو كان يرى قاتله.
ألمانيا، أيتها الأم الشاحبة
ماذا فعل بك أبناؤك
حتى تصبحي بين الشعوب
سخرية أو تهديداً.


حين يأتي الشرّ كالمطر

مثل من يحضر خطاباً هاماً ليُسلّمه بعد ساعات العمل، والمكتب قد أُغلق.
مثل من يحاول تحذير المدينة من طوفان وشيك، لكنه يتكلم لغة أخرى فلا يفهمونه.
مثل شحاذ يطرق للمرة الخامسة باباً منحه شيئاً أربع مرات، وهو جائع في الخامسة.
مثل من يتدفّق دمه من جرح وهو ينتظر الطبيب، ودمه يمضي في تدفقه.
هكذا نتقدّم لنعلم أن شراً قد نالنا.

أول مرّة نعلم فيها أن أصدقاءنا كانوا يُذبحون صدرت صرخة رعب.
ثم ذُبح مئة. لكن حين ذُبح ألف ولم تتوقف المذبحة، انبسطت ملاءة من الصمت.
حين يأتي الشر كالمطر المنهر، لا يصيح أحد قائلاً "قفوا".

وحين تبدأ الجرائم في التراكم تصبح غير مرئية.
حين تصبح العذابات غير محتملة لا تعود الصرخات تُسمع.
الصرخات هي الأخرى تنهمر كمطر الصيف.


مرثية

ليكن آخر نقش إذاً كالتالي
(ذلك اللوح المكسور بلا قرّاء):

الكوكب سينفجر
من أنجبهم سيدمّرونه.

لم نبتكر سوى الرأسمالية كطريقة حياة معاً.
وحين فكّرنا في الفيزياء،
ابتكرنا ما هو أكثر:
طريقة للموت معاً.


* من كتاب "قصائد برتولد بريشت" ("الفارابي"، بيروت 1986) ترجمة: أحمد حسّان

المساهمون