"هوامش على شريط الذاكرة": الوعي في مقاومة الزمن

"هوامش على شريط الذاكرة": الوعي في مقاومة الزمن

10 مارس 2019
(من المسرحية)
+ الخط -

شكّلت مسرحية "في انتظار غودو" لصمويل بيكيت نصاً مؤسساً في تاريخ الفن الرابع الحديث ولّد الكثير من المعالجات لها فوق الخشبة، وهي التي تنتمي إلى المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وشهدت صعود اسم الكاتب الإيرلندي (1906 – 1989).

في المرحلة ذاتها، كتب نصّاً آخر بعنوان "شريط كراب الأخير" ينتمي إلى مسرح العبث أيضاً لكنه ذهب في اتجاه آخر ليتأمل تلك العلاقة الجدلية بين الزمن والوعي، حيث يقاوم كلّ منهما الآخر في صراع لا ينتهي يمكن تلخيصه بالمقولة التي يردّدها العمل وهي "الوقت موجود في الحاضر، والحاضر في الماضي، ولربما كلاهما حاضران في المستقبل".

لم يقترب الكثيرون من النص خلافاً لنصوص أخرى بدت أكثر جاذبية مثل "نهاية اللعبة" و"الأيام السعيدة"، ربما لأنها اعتمدت شكلاً مقيداً في تناول أفكارها حيث تناولها بيكيت بشخصية العجوز كراب الذي وثّق منذ أن كان في العشرينيات من عمره تسجيلات صوتية تضمّ آراءه وتحليلاته والتي سيعود إليها في شيخوخته.

ضمن مقاربة مغايرة للمسرحية، يقدّم المخرج التونسي أنور الشعافي عرضه "هوامش على شريط الذاكرة" عند السابعة والنصف من مساء الجمعة المقبل، الخامس عشر من الشهر الجاري، على خشبة "قاعة الفن الرابع" ويعاد في الموعد نفسه ليومين متتاليين.

أعدّ نص المسرحية الفنان رضا بوقديدة الذي يحضر على الخبشة أيضاً مع منى التلمودي. يجري إسقاط قالب العمل على الواقع التونسي حيث يجلس رجل مسن على كرسي متحرّك إلى طاولة مكدسة عليها أشرطة فيديو، كان قد سجّل فيها بعض الأحداث المختلفة يحاول ترتيبها، رغم ذاكرته المتذبذبة وتساعده في ذلك امرأة، منها مباراة المنتخب التونسي عام 1978 في كأس العالم بالمكسيك، وسقوط جدار برلين، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001، واغتيال الناشط السياسي شكري بلعيد في 6 شباط/ فبراير 2013.

الفكرة الأساسية للعمل قدّمها الشعافي ضمن مشروع تخرّجه في "المعهد العالي للفن المسرحي" عام 1988 على شكل مونودراما، وهو يعود إليها بعد أكثر من ثلاثين عاماً ضمن بانوراما زمنية ممتدة بشكل أطول وإضافة ممثلة تؤدي أدواراً عديدة منها الموظفة والممرضة والخادمة والمصوّرة ترتبط جميعها بمسار الوقائع التي يمرّ عليها.

يوازي المخرج في تناوله لذاكرة العجوز الشخصية وذاكرة المجتمع التونسي في مزاوجة بين ماضي الفرد والجماعة ومستقبلهما، كما يستعرض الهزائم والانتكاسات التي أصابت كلاً منهما مبرزاً مقدار التشتّت والفوضى وانعدام الوزن على المستويين الفردي والجماعي.

المساهمون