"أزمنة التاريخ": عزيز العظمة عن أدوات كتابة الماضي

"أزمنة التاريخ": عزيز العظمة عن أدوات كتابة الماضي

09 يونيو 2020
(عزيز العظمة)
+ الخط -

ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثاً كتاب "أزمنة التاريخ: مباحث في كتابة التاريخ الإسلامي" للباحث السوري عزيز العظمة، بترجمة أنجزها علي الرضا خليل رزق.

يضمّ الكتاب، الذي صدر بالإنكليزية بعنوان "The Times of History: Universal Topics in Islamic Historiography"، دراسات مترابطة تتناول الزمان والزمانية في تواريخ العرب والمسلمين وغيرهم في مفاهيمها وحقائقها التاريخية، على نحو يعالج التاريخ الواقعي والخطاب التاريخي معاً، في سياق علاقاتهما الفعلية والوهمية بالحاضر، وذلك في الثقافات العربية والأوروبية.

يتألّف العمل من ثمانية فصول موزّعة على أربعة أقسام. في القسم الأول، "تصنيف تاريخي"، فصلان؛ الأوّل بعنوان "مجازات الرومانسية التأريخية وزمنياتها، الحديثة والإسلامية"، وفيه يعرض العظمة في ثلاث محطات للنظرة الجوهرية عن التاريخ: الرومانسية المحدَثة وما بعد الحداثية، والإحيائية والقومية الثقافية، والرمزية.

وبحسب المؤلف، إذا كانت الإحيائية (القومية أو الدينية)، والأصولية اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية، قد طرحت فكرة إعادة إحياء الماضي، فإن ذلك لم يكن ممكناً إلّا بالاستناد إلى مفهوم تاريخي يتطابق مع الجوهرية التي جرى التعرّض لها في هذا الكتاب.

ويجمع هذا المفهوم بين نظرة عضوية إلى التاريخ تم تداولها في عصرَي الرومانسية والملكية الأوروبية في القرن التاسع عشر من جهة، وفكرة رمزية عن الزمن قامت بشكل طبيعي على التصور العضوي للتاريخ من جهة أخرى. ويُعد هذان الأمران، بالنظر إلى نماذج المفاهيم الأولى، قديمين، لكن تأويل العضوية وإدخالها في الدراسات الاجتماعية، وضمها إلى الرمزية، هو إنجاز حديث تحديداً.

وفي الفصل الثاني، "الإسلام وتاريخ الحضارات"، يرى المؤلّف أنّ القليل من الأعمال المنهجية والتفصيلية أُنجز عن الاستمراريات والانقطاعات بين الإسلام والعصور القديمة المتأخرة، علماً أن المادة آخذة في استجماع قواها وقد قاربت بلوغ حجم كبير جدّاً، وأنه ثمة أعمال ممتازة تدور حول التنظيم المادي والمؤسساتي والديني والاقتصادي، وتقوم على دراسة متأنية للمصادر الأدبية في اللغات ذات الصلة، من دون نسيان الدراسات المتعلقة بالنقوش والمسكوكات والفخاريات. وهناك أعمال أكثر تفصيلًا في الاقتصاد وتاريخ الفن والعمران والتاريخ الثقافي والتمثيلات الدينية والتمثيلات السياسية، وليس تركيبها وجمع بعضها إلى بعض سوى مسألة وقت.

في القسم الثاني، "الزمن الرمزي والتنميط والاستحواذ على الماضي"، فصلان. في الفصل الثالث، "الخطاب المُلتَهِم للزمن: دراسة في الاستيلاء الكهنوتي - الشرعي على العالم في التراث الإسلامي"، يرى المؤلف أن علم أصول الفقه كان وسيلةً استطاعت من خلالها المؤسسة الكهنوتية - الشرعية أن تجعل العالم يفقد توازنه الزماني والمكاني ليصير إسلاميّاً خالصاً: "إنه التشكيل الخطابي الذي يمكننا من قراءة المؤسسة الحاكمة للعلاقات الإنسانية، ومن اعتبارها البصمة الدامغة الخاصة بالنظرة الكهنوتية - الشرعية التي سعت إلى الاستحواذ الكلي على العالم. إلّا أن هذه العملية لم تصل بأي نحوٍ من الأنحاء إلى انغلاق تام، وذلك لسبب واحد: إن العالم لم يكن قط كاملاً، وقد جرت العادة على النظر إلى الكثير من الممارسات والتقاليد الشرعية التي قبلتها تلك المؤسسة - العلماء أو الكهنوت الإسلامي - على أنها خارجة على النطاق الشرعي".

وفي الفصل الرابع، "النصوص الإسلامية التأسيسية منذ العصور القديمة المتأخرة وصولاً إلى عصر الحداثة"، فقد هدف المؤلّف، من خلال الإحالة على النصوص الإسلامية التأسيسية في العصور القديمة المتأخرة والعصور الوسطى، إلى تأكيد السمة الخاصة للمنظور الذي يلقي من خلاله الضوء على القرآن والنصوص التأسيسية المكملة؛ فهو "منظور تاريخي بالدرجة الأولى غير آبهٍ بالبيانات الأسطورية التي يصادفها المرء في أثناء عمله على تواريخ ذات أحداث وأزمنة مهمة؛ إذ يُنظر عادة إلى الأحداث التاريخية كأنها ولدت عريقة وكاملة منذ البداية".

في القسم الثالث، "تاريخ المستقبل"، فصلان. وفي الفصل الخامس، "القياس الإلهي للوقت والزمن المتبدد"، يجد المؤلف أن التلاحم على صعيد الانتقال بين العلامات الماضية والعلامات المستقبلية، تحديدًا، ينشأ من انفكاك انفصالي للواقع الدنيوي عن التغير الجذري لسجل الدهر؛ فـ "بينما تترابط الأحداث التاريخية الغابرة والمستقبلية مع بعضها بعضاً من خلال حركة تنتقل بموجبها من واقعة إلى أخرى، يقوم المنظور الأخروي التأملي والسكيني على دمج هذه الحركة وافتراض بديلٍ منها يتمثل في انتقال منتزَع من الوسط الذي تأخذ فيه هذه الحركة مجراها".

وبحسب المؤلف، تشكل أحداث الماضي والمستقبل بذلك ترتيباً رمزيّاً للعناصر التي تنتظر تمامها، وتكون نسبة المستقبل إلى الحاضر متماثلة مع نسبته إلى الماضي، وهي استكمال الأجزاء الضرورية التي تكون العلاقة في ما بينها علاقة تخطيطية تتحدد بموجب مخطط يحدد مواقعها، لا علاقة حركية انتقالية.

في الفصل السادس، "بلاغيات الخطاب الحسي: دراسة في السرديات الفردوسية الإسلامية"، يقول المؤلف إن الكتابات الإسلامية كانت خالية من النهي عن الممارسة الجنسية، إلى أن جاء الوقت الذي واجه فيه المسلمون التأثير الطُّهراني الأوروبي في القرن التاسع عشر، وحينئذٍ لجأوا إلى تراثه الأخلاقي والمناقبي في جدالهم مع الاتهامات التي وُجهت إلى الإباحية والشهوانية المفترضتَين في الإسلام.

ويقول المؤلّف إن هذا ما تظهره المحاولات الفاشلة الأخيرة التي قام بها الأزهر لمنع انتشار كتاب وضعه مفكر إسلامي مصري هو محمد جلال كشك، بسبب إضاءته على الثنائية الجنسية الموعودة في الجنة. كما تشمل تلك المحاولات محاولةً سابقة لمحمد رشيد رضا متمثلة بتأويل وجود الحور العين في الفردوس على أنهن زوجات الرجل على الأرض ليس إلا، وهذه مسألة تخالف بحسب رأيه حَرفية التقاليد الإسلامية وروحيتها.

في القسم الرابع، "ارتباكات الإلهام التاريخي: مآزق تاريخ المؤرخين ومنظوراته"، فصلان. في الفصل السابع، "الفكر السياسي الإسلامي: التأريخ المعاصر وإطار التاريخ"، يتناول المؤلف الموضوعات الزمنية المتكررة للأصول الفريدة وتعاقبات الصعود والانحطاط. ومن خلال وجهة نظره، ثمة افتراضات تتعلق بالتحقيب الزمني والتقسيمات الموضوعاتية والتصورات المفهومية، وأخرى ترتبط بموضوعات بالغة الأهمية في الفكر الإسلامي السياسي، وقد بقيت كلها على حالها، إلى حد بعيد، ولم تستجِب للقاعدة الإمبيريقية التي عُزّزت، و"يبدو أن هذا الأمر مستمَد من استعارات أحادية المعايير وعادات وافتراضات تأريخية مسبقة تشكل إلى زماننا هذا الطاقة الداخلية لمؤسسة الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية، كما أنه، إضافة إلى ذلك، مُستَقى من افتراضات واعتقادات شعبية".

إضافةً إلى ذلك، يتناول المؤلف المشتركات الموضوعاتية وأُطر التاريخ متكلماً على العرب ذوي النزعات المساواتية والإمبراطوريات الإسلامية، وعلى حكام كهنوتيين مستقلين بسلطتهم، وعلى رغبات بسيادة القانون.

في الفصل الثامن والأخير، "المَلَكية التوحيدية"، يقول المؤلّف إن الملكية القدسية مرتبطة بسمة تاريخية متغيرة كانت مركزية في الحياة السياسية والدينية للأنظمة الحاكمة في الفترة السابقة للتحولات التي بدأت تفرض نفسها مع القرن السابع عشر. إنها شكل بدئي يرتبط فيه الحاكم بالإله بطرائق ودرجات مختلفة من التحديد والمحاكاة، فـ "في أحد طرفي هذا الطيف المتنوع من العلاقات المحتملة، يُعبر عن الهوية الكاملة التي يجري فهمها أنطولوجياً، من خلال أفكار التجلي والظهور والحديث عن تجاوز الحقيقة الجوهرية أو الاتحاد والتشارك فيها.

وفي الطرف الآخر، يعبر عن هذه العلاقة من خلال ترتيبات قائمة على المحاكاة والتقليد متضمنة في صور الرسالة والنبوة والكهنوت، أو من خلال المجازات الغامضة والملتبسة المستخدمة في هذه التمثيلات، من قبيل ظل الله على الأرض، وهي بالمناسبة استعارة بلاغية تعود إلى زمن الأشوريين، وأصبحت في ما بعد ذات دلالة بالغة الأهمية في الخطابات الإسلامية حول مسألة المُلك والحكم".

يُذكَر أن عزيز العظمة كاتب وباحث سوري، حاصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الشرقية (العلوم الإسلامية) من "جامعة أكسفورد". درّس في عدد من الجامعات العربية والأميركية والبريطانية، وشغل عضوية عدد من اللجان الجامعية وهيئات تحرير عدد من المجلات الأكاديمية. من مؤلفاته: "الفكر العربي والمجتمعات الإسلامية" (1986)، و"ابن خلدون في البحث الأكاديمي الحديث" (1990)، و"العلمانية من منظور مختلف" (2008)، و"ظهور الإسلام في أواخر العصور القديمة: الله وشعبه" (2014).

أمّا المترجم علي الرضا خليل رزق، فحصل على شهادة الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها (2014) من "الجامعة الأميركية" في بيروت، ودرَّس اللغة العربية لغير الناطقين بها في بيروت وهولندا وألمانيا، إضافة إلى مساقات أخرى في الفكر الإسلاميّ والأدب العربيّ. عمل مساعداً بحثيّاً في عددٍ من المشاريع الدراسية عن التربية والتعليم عند المسلمين. يهتمّ، عمومًا، بتطوّر الفرق الإسلاميّة، فقهاً وعقيدةً، وبدراسة التاريخ الفكري والاجتماعيّ في الحضارة الإسلامية، خصوصاً في الفترة الكلاسيكية.

المساهمون