لا ضوء في ساعة الأرض ويومها

لا ضوء في ساعة الأرض ويومها

24 ابريل 2014
محمد علي أويسال / تركيا
+ الخط -
الملايين من سكان الأرض دهنوا أصابعهم بالزيت و"مسّجُوا" سباباتهم على وقع الدعايات التي حثّتهم (وللمرة السادسة على التوالي) على ضغط أزرار الإنارة في بيوتهم، وشركاتهم، ومصانعهم، ومنشآت حكوماتهم، بغية إطفاءها لستين دقيقة في "ساعة الأرض".

للكسوف أو الخسوف الاصطناعي هذا غايات بيئية، ومقاصد مناخية. إلا أنّ كثيرين ممن تعودوا انقطاع الكهرباء عنهم قد لا يشعرون بالفرق، وقد لا تصلهم الرسالة في الظلمة.

فرفطة" القضايا الكبرى والملمات الداهمة إلى "مؤتمرات"، و"أسابيع"، و"أيّام"، و"جلسات"، وحديثاً "ساعات"؛ استراتيجية محببة خرجت من أيدي الباحثين سريعاً ليتلقفها البيروقراطيون الحكوميون وخلفاؤهم من آل "تكنوقراط".

لديك مشكلة انتشار سلاح نووي؟ سارع إلى عقد مؤتمر عن الموضوع في الريف الخالي من شعبه قرب مكب نفايات مفاعل "ديمونا".

خُمس سكان العالم تحت خط الفقر؟ اطبع أوراق الملف، وتذاكر الطيران، وادع لأسبوع متخصص بقضايا المتسولين في أحد منتجعات الريفييرا الفرنسية.

تريد توعية الناشطين السوريين حول قلّة الموارد المتاحة للحراك السلمي؟ حرر "شيكات" مالية لعشرين خاملين منهم (كمصروف جيب)، وأرسلهم مع كاميرات "HD" ليصنعوا وثائقياً عن حَمَلَة السلاح المنبوذين في شرم الشيخ.

ثقب الأوزون يتوسع، والدفيئة تهدد برودة أعصاب رأس المال؟ أطفئ أنوار الأرض لمدة ساعة لتريح "توربينات" العمل النقابي المزدهر، دون أن تقلق على انتاج مصنعك، لأنّ الأخير يعمل على طاقة الألم والفاقة. وهما طاقتان طبيعيتان لا تفنيا، ولا تُستحدثا من العدم، بل تُصَنّعانه.

ليس استخفافاً بالمبادرات التي يُضطر "المناضلون" إلى أن يلجؤوا إليها بعد أن تقصم القشّة ظهر البعير. بل تذكيراً بباقي أعضاء البعير التي لم يُشتهر منها سوى ظهره. وبالقشّة، باعتبارها مجرد ذرة رمل أخيرة يكتمل بها تكوين صخرة "سيزيف" المتدحرجة أبداً فوق 80% من الأجساد المنهكة لقاطني الكوكب.

أن تُطفئ الأضواء لتنير الدرب في هذا السياق؛ يمكن التعامل معه كلوحة سوريالية ناجزة يُبدي الجميع رغبة "فنية" للمشاركة فيها. ولا ضير في هذا. لكن عليك لاحقاً أن تفكر ملياً بالجدار الذي تريد أن "تعرض" تلك اللوحة عليه.

جدار لن تجده في مقاديشو أو قندهار. لا في الأنبار العراقية ولا الشرقية السعودية. لا في اللؤلؤة ولا التحرير. لا في عين الحلوة ولا دارفور. وبالتأكيد لن يكون في انتظارك مطلياً بالبياض في مخيم اليرموك بعد أن تهاوت كل الجدران فيه أمام براميل "مقاومة" النظام.

ولكنك ـ من جهة أخرى ـ قد تعثر على 700 كيلومتر ونيف منه في فلسطين. حيث ستجد على أحد جانبيه من سيطفئون "بروجيكتورات" مدرعاتهم لبضع دقائق نخب استمرار الحياة الطبيعية "النظيفة"، في مقابل السنين الطويلة التي قطعوا فيها سبيل كل نور يمكن أن يدخل أو يخرج من الجانب الاخر للجدار إيّاه. ودائماً نخب "البيئة" و"المناخ" الدوليين نفسيهما.

نجد أنفسنا اليوم في حاجة ماسّة جديدة للتوفيق بين رغبة الأرض بإغفاءة لساعة كل سنة، وبين اضطرارنا إلى إبقاء أعيننا مفتوحة كلّ لحظة على مدار السنة.

تقول بعض الحكومات بهذه المناسبة إن الإطفاء العام الذي أقرّته لم يشمل الزنازين، وذلك لتجنب هروب السجناء (إلى كوكب آخر ربما).

ولعل في هذا رخصة لنا هنا أيضاً. فمن ذا الذي تراه منهم يريد لنا أن نفرّ من بيئتنا و"نلجأ" إلى بيئته؟ وهذه قضية كبيرة أخرى ننتظر من أحد ما قريباً أن يبتكر لها "ساعة".

ربما "ساعة إطفاء الضمير" في الكرملين والبيت الأبيض والإليزيه وداونينغ ستريت.

المساهمون