"روّح".. ما حدث في رحلة فاطمة

"روّح".. ما حدث في رحلة فاطمة

30 يناير 2020
(فاطمة الفالحي ضمن ألبوم تقديم المسرحية)
+ الخط -

تمثّل حقوق المرأة ومكانتها الاجتماعية إحدى أهمّ مقولات الدولة التونسية ما بعد الاستقلال (1956)، لكن ماذا لو وضعنا هذا الشعار الكبير أمام اختبارات الحياة اليومية؟ ذلك ما تطرحه مسرحية "روّح" التي تؤدّيها فاطمة الفالحي وأخرجتها خولة الهادف، وقد تشاركتا في كتابة نصّها مع يسر قلاعي.

يبدو هذا الثالوث النسائي قد امتزج في شخصية فاطمة (اسم الممثلة واسم الشخصية المسرحية التي تؤدّيها)، إذ إن الفالحي منذ أن تصعد على الركح توحي بأنها تتحدّث عن سيرتها الشخصية، مستعملةً في ذلك تفاصيل أُسَرية واسمها الشخصي، لكننا نشعر بمرور الوقت بأن العمل يلمس ما هو أبعد من شخصية واحدة. إنه إضاءة شاملة لواقع المرأة التونسية، ومن ورائها تونس في تحوّلاتها وحياة شعبها وهي تراوح بين الهدوء والصخب.

كان أول عروض المسرحية قد أقيم في 18 من كانون الثاني/ يناير الجاري على خشبة مسرح "تياترو" في تونس العاصمة، وهو عرض لاقى صدى جماهيرياً لافتاً، فيما تُقدّم سلسلة عروض جديدة بداية من يوم غد الجمعة في قاعة "بي أكتور ستوديو".

على المستوى السينوغرافي، اعتمد العمل على الفيديو لبناء خلفية كانت تُسند الممثلة وهي تروي حكاية تبدأ باتصال هاتفي من أُسْرتها حيث يُطلب منها أن تعود من العاصمة إلى القرية في أسرع وقت. توحي الفالحي لمشاهديها بأنها ترفض بشكل قاطع أن تَخضع لأوامر الأسرة وهي التي استقلّت بحياتها منذ سنوات، غير أننا سرعان ما نجدها في طريق العودة، وتلك الرحلة من تونس العاصمة إلى قريتها تمثّل العمود الفقري للحكاية التي ترويها المسرحية.

تضعنا الرحلة أمام مواقف عدّة، فهي تعيد تركيب وقائع الحياة الاجتماعية في تونس، حيث تتحوّل تلك القضايا الأساسية، مثل التفرقة القائمة على الجنس أو الحريات الفردية والتفاوت الطبقي، إلى مجموعة من الحكايات البسيطة والطريفة، ترافقها إشارات فرعية حول الواقع السياسي والثقافي والبيئي في تونس. كثيراً ما يتفرّع الحديث بالفالحي إلى سير جانبية، سيرة الأخوات وسيرة الأم والأب أو واقع الدراسة والفن.

ليس نادراً في المسرح التونسي أن تحضر المرأة بمفردها على الخشبة، أو أن تضع واقعها كمادة للتشريح على الخشبة، غير أن طرح مسرحية "روّح" يبدو وقد تخلّص من النزعة الشعاراتية والروح الاحتجاجية النسوية التي رافقت الكثير من الأعمال، فواقع المرأة يأتي عفوياً ضمن حكاية مرتّبة تؤدّيها الفالحي التي تبدو مع هذا العمل وقد اكتملت أدواتها الفنية.

أما مقولة المسرحية التي يخرج بها المتلقي، بعد أن "تطير" فاطمة (آخر مشهد من المسرحية) في دلالة على قرارها الفرار من الواقع الذي تعيشه، فهي أن وضع المرأة الذي أثثته الدولة بالقوانين وأحاطته بمقولاتها الكبرى لا يزال في حاجة إلى الكثير من المراجعة، وهي مراجعة جماعية بالضرورة.

المساهمون