"خطابات ضد الحرب": محاولات لفحص ضمير الغرب

"خطابات ضد الحرب": محاولات لفحص ضمير الغرب

14 سبتمبر 2016
تيتزيانو تيرتساني؛ تصوير زوجته أنجيلا تيرتساني
+ الخط -

في الأيام التالية لهجوم 11 سبتمبر 2001، على برجي "مركز التجارة العالمي" في نيويورك، وفضلاً عن الشرر الأميركي الذي تطاير وقتها من الأفواه قبل إعلان "الحرب على الإرهاب"، كان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن يتساءل باندهاش: لماذا يكرهوننا؟! مشيراً، حصراً، إلى العرب والمسلمين.

كان الصحافي الإيطالي تيتزيانو تيرتساني، أحد الأصوات الهادئة التي قدّمت إجاباتها الناقدة عندئذ، وذلك عبر مجموعة من الخطابات التي نشرها في صحيفة "الكوريري ديللا سيرا"، والتي ضمّنها فيما بعد كتابه "خطابات ضدّ الحرب"، الذي صدرت نسخته العربية مؤخراً بترجمة أماني فوزي حبشي عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة.

عبر عدة مدن مختلفة وقع أغلبها على خطوط النار بين الحدود الأفغانية الباكستانية، كتب تيرتساني خطاباته التي قدّم فيها رؤية تحليلية بانورامية، ومحذراً باستبصار لما بدا أن العالم مقبل عليه "مضى العاشر من سبتمبر عام 2001 دون أن أشعر به..... كان اليوم الأخير لحياتنا الماضية، قبل الحادي عشر من سبتمبر، قبل البرجين التوأم، قبل الهمجية الجديدة، قبل تحديد حرياتنا، قبل التعصب العظيم، قبل الحرب التكنولوجية ومذابح السجناء والمدنيين الأبرياء، قبل الزيف العظيم ونزعة التوافق، واللامبالاة، وأسوأ من كل هذا، قبل الغضب البائس والكبرياء في غير موضعها".

تيرتساني كان من المراسلين الغربيين الذين شهدوا بأنفسهم على أحداث كثيرة في الشرق، نشر أول خطاباته تلك بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2001، أي بعد ثلاثة أيام فقط من التفجيرات وفي ذروة ضجيج طبول الحرب التي كانت تهدر حينئذ بلا توقف، إذ أدرك ساعتها ما يمكن أن تمثّله لحظة الرعب هذه باعتبارها فرصة جيدة لمراجعة شاملة "لقد رأى العالم كلّه ما حدث.

الآن سيدرك الجميع، الآن سيستيقظون ليعيدوا التفكير في كل شيء: العلاقات بين الدول، وبين الأديان، العلاقات مع الطبيعة، العلاقة نفسها بين إنسان وآخر. كانت فرصة جيدة لنقوم بفحص للضمير، ولأن نتحمّل مسؤولياتنا بوصفنا غربيين، وربما نقوم بعمل قفزة نوعية في مفهومنا للحياة".

لا ينطلق تيرتساني في خطاباته من تصوّر مركزي للذات الأوروبية، لكنه يحاول أن يدفع الغرب كلّه إلى مراجعة شاملة من موقع المسؤولية التشاركية عن العالم، بل أكثر من ذلك فإنه يمنح العدو الإرهابي- بحسب التصنيف الأميركي- في مجمل صفحات كتابه صوتاً، ويحاول أن يحلّل منطقه ودوافعه "إن استخدام السلاح بالنسبة إلى بن لادن ورجاله ليس مهنة، وإنما عقيدة تمتدّ جذورها إلى الإيمان الذي تمّ اكتسابه ليس فقط من المدارس القرآنية، ولكن أيضاً من الشعور بالهزيمة والعجز، لتقهقر الحضارة الإسلامية، تلك التي كانت في فترة ما تتسم بالعظمة وكانت لها مهابة يخشاها الجميع، ولكنها تظهر الآن مهمشة ومهانة من القوى العظمى وأمام كبرياء الغرب".

حاول صاحب "عمت مساءً يا سيّد لينين" أن يحذّر الغرب من مغبة الاستهانة بقوة العدو أو "محاولة إنكار أنه يمتلك أي عقل"، لكن أنسنته لـ "الجماعات الجهادية" التي أشار إليها لم تمنعه من أن يصدر حكمه بوضوح عليها باعتبار أن "الخليط المتعامي من الجهل والإيمان هو خليط متفجّر عادة، وينشأ من خلال نسخة تبسيطية وأصولية من الإسلام، ذلك الإخلاص للحرب والموت واللذين قررنا- ربما في تهوّر شديد- مواجهتهما".

ما انبرى صاحب "في آسيا" لتوضيحه والتحذير منه عبر كتابه يبدو أنه يتحقّق الآن: "الاستنفار البشع" الذي ساد الغرب لحظتها كان سبباً مباشراً كي تنفتح دائرة العنف ولا تنغلق، ولم يكن صعباً أن تظهر الحملة ضد الإرهاب بوصفها حرباً ضد الإسلام، كما أن الإسلام لعب دوره المرسوم بوصفه أيديولوجية مناهضة للعولمة.


المساهمون