يمكن للموتى أن يقرّروا مصير هذه المدينة

يمكن للموتى أن يقرّروا مصير هذه المدينة

12 أكتوبر 2016
(الشاعرة)
+ الخط -

الجزء الأوّل
1
عرفت دوماً أنّي سأعثر عليكِ في الحجر،
وأن لحاء البلّوط المقشّر
قد يسحب اسمك عبر منحنيات الريح؛
وأن السماء قد تدعم أقواساً وهمية
فوق حكايتك المتدفّقة
بصيغة أنهار كتبت في الأعشاب.

مصائر كثيرة اختنقت في أغصانها.

أختاه، هيّا نختلس روائح
تاهت في الماء.


2
تحت هديل حمام كثير
تتشبّك المتاهة الخضراء عند قدميك
العنيدتين دوماً فوق هذه الأرض.

حبل بجذور مذعنة،
كبّة صوف ضالّة،
داخل صخب السماء،
خيطٌ أخضر قلبك.

على الخيط الديماسي تجوس أصابعي،
ويدي،
يدي الخفيّة التي تنتظر
موت الطيور القاسي.


3
معاً، جنب قوس الماء،
مولّيتان الظهر لنداء المعبد،
يمكنني أن ألاطف جذوع الخوف.

تحمينا ضفّة النسيم
ولو أن هذه الأشجار أبداً،
أبداً لن تستطيع عبور الرّواق،
وها أنا أصغي إلى غابات في الحجر.


4
وحده الباب موجود في عينَي من يعبره،
لتستحوذ القيثارات على الصّمت،
أسيرِ القرون تحت هذه الأرض.
ليُغذّ موت البرتقال الأجوف
سنونوات وزهوراً.

من قال إن الموسيقى لا يمكن أن تُشمّ؟
من قال إنّ الطيور قبّة سماء فحسب؟


5
ليظلّلنا الزّهر،
ليغمرنا الماء والياسمين،
لنترك النعال وراء...

فالشرفات تعرف عنك الآن،
وعن زمان جُرّدت فيه
الأفاريز من اسمك،
تعالي، فالبرج الآن يدعم الصباح
وهذه خطواتي حافية تشقّ
طريق العودة مقتفيةً ظلّك.


6
يغفو سمندل على حدّ ورقة
في هذه الحديقة التي تتسوّلها المدينة.
لكنّ الوقت مبكّر أيضاً على اندلاع حريق.

يستيقظ على حضور السكّين
وحضور النار مسهّدة خلف الأبواب.
يودّون أن يفجّروا حيواتنا
وأن يتخلّصوا من العقدة بين الأصابع.

لكن لنتجوّل...
كذلك هو زمان تحت أوراق السرخس.
وعندما نلتهب،
فلِكَي نكون أيضاً أقرب.


7
لنفرّ، يا أختي، عبر أزقة الرمل،
جهة الأفق الأبيض وأسواره.
أعلم بوجود طريق شذي في الجهة الأخرى.

أعرف حدائق حيث تقيم كلمات
جنب الطّحلب وظّله،
حيث الطيور هي السقف.
هنالك تكون المتاهة صمتاً منحوتاً.

لنفرّ جهة الغابات المسجونة
عبر القوس ولبلابه.
لا ضرر في أن نعانق الأشجار.


الجزء الثاني
1
أجراسٌ، وطبول، ورجال بلا وجوه
يحدّدون بداية المساء
ويصوّغون أفقاً شديد البياض
يصّاعد من النهر
كموجة تغمر المدينة.
هذه المدينة البيضاء التي لمصيرها
نتركها ولموسيقاها.

لا تكترثي بالصمت، ففي معاودته
تبدأ المتاهة مجدّداً.

هل كانوا رجالاً أم أنّ المدينة انبعثت
باردة جدّاً في كلس ذراها؟


2
لا تمرّي الآن من هنا،
استنشقي الجير وموسيقاه، لكن عودي،
لو خرجنا فلن نقصد الساحات.
تبدأ الذاكرة والخوف عند مفترقات الطرق
السوداء التي تخيط هذه الأسوار ناصعة
البياض بكلّ موتها تحت القدمين،
وبكلّ الماء تحت الموت.


3
الولد المغتال
تحت القبّة المزهرة ياسميناً
جنب جير السياجات المذعور.

يمكن للألم أن يصير صمتاً،
وعجز ماء مالح.

أحدهم قرّر ألّا يمشي
وشرع يجمع الوقت.


4
يوجد مكان ملائم للدمعة،
بميل للملح قلق،
في كلّ الدماء التي تسفح.

لكنّنا لا نستطيع أن نترك
نافوراتنا فارغة،
ولو أن المرايا تتعفّن
وتنشأ عنيدة كيرقات منهجية.


5
يمكن للموت أن يعبر الهواء،
أن يلتصق بالسماء ونواياها،
أن يتوغّل عبر البؤبؤين وأن
يهرب في القلب.

يمكن للموتى أن يقرّروا
مصير هذه المدينة،
العلامة على جبين من سيأتون
ملفوفين في ذاكرة القمر المفقودة.

هنالك ناووس قد أشهر أعلامه للتوّ.


الجزء الثالث
1
زمان الهروب هذا جهة النهر
استقصاء لإمارته
الخضراء بطحالبها وزمانها المتوقّف.

تعالي، سيقودنا نبض الينابيع،
بينما المدينة تنسل
عند كلّ خطوة، كلّها كلس ورمل،
وزبد متخثّر وبارد.
لا تخافي، أنا أعرف قلبه
شديد البياض ووجهاته.

يسافر الوحش بصحبتنا:
وسنضحّي به عند بلوغنا الماء.


2
جررنا النار،
والحمّى الخفية للأشياء
في الموت المسكوب،
في الدم الذي ما عاد لهباً
كي يغدو نهراً غير مُجدٍ
يجري على الحجر.

علينا أن نعود، أن نرجع إلى البدء:
فالبداية هي دوماً حديقة.
علينا أن نعثر على مكان الفاكهة،
مكان البيت القديم للمعلّم؛
أجل هي متأكّدة من الحرائق.


3
الآن يعلن عن معارض
للذاكرة،
مسافات للموتى مصطفّة.

ربما كنّا ننحدر من تلك السلسلة
سيئة الهضم عبر الأرض.
أنا أعلم أنّ زماناً آخر كان
معدنياً وحجرياً كالعظام.


4
وثقت دوماً في مواصلة
طريق الماء،
وشفوف أيّ نجم في الليل،
ووهم لهب في مهبّ الرّيح.

ولو أنّ أنهاراً لا تهِب شيئاً،
فكلّ نجمة تستبدّ بوجهة
والنّار تحتاج الملموس من الأشياء.


5
كلّ الفراشات
تحمل الموت في وجهها اليرقي،
وتواجه مصير الزهرة،
وفرار فتى
ناحية الأسيجة وظلّها.

في هذه القرية
وعبر طريق فاتن
تبلغ السلاسل.


ترجمة عن الإسبانية مزوار الإدريسي


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُتّهمة بالمعجزات
تعمل مونسِرّات دوسِت، المولودة في مدريد عام 1962، مدرّسة للغة الإسبانية وآدابها منذ الثمانينيات، حيث تحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الأدبية والثقافية. وإلى جانب ذلك، ظلّت مخلصة للشعر منذ نشرها مجموعتها الأولى "مُتّهمةٌ بالمعجزات" (2001)، والتي لاقت استحساناً من النقّاد. من دواوينها أيضاً: "طبيعة في العمق" (2002)، و"شتاء الوردة" (2003)، و"سلسلة ماليفيتش: اثنا عشر شارعاً" (2007).


المساهمون