أنا أيضاً من قلنديا

أنا أيضاً من قلنديا

10 ديسمبر 2017
(ستيف ويلي)
+ الخط -

"ماذا يعني اسم فلسطين، فلسطين، فلسطين؟ ينظر في عيني ويقول: "الوقفاتُ الاحتجاجية ديمقراطيةٌ زائفة". فلنقرن الواقع التاريخي للانتداب البريطاني بالفكرة الراديكالية ".. إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية..". الأكثر أهمية الآن: الحاجة إلى اعتذار علنيٍّ من بريطانيا". (2 آب...)


أعشاب 1


ريدجْوِيل


إذ تعودُ قصيدةٌ بنا إلى كلّ موتٍ
لم نشهدْه في حينه، لن يبدو شيءٌ على حاله كما الحياة.
تقلّص الأعينُ من حجم الجرْمِ الذي طالما كان ماثلاً أمامها.
نرقصُ بنقلاتِ خطىً منتظمة، نُخفي معنى
الفكرة: يرتدي البومُ هذا القمرَ الأبيضَ
بعماءٍ مطبق، تحْرِفُ أجسادهم المطر الذي يتلألأ
على سقف القشّ. قُلْ خيراً، المرافئ أعينٌ، قلْ موتاً،
قلْ لم يعد ثمة بحر. وما لا تستطيع قوله الحقول، إن أيدينا
مغلولة، وإنها تنمو. هذه الفزّاعةُ المولودة من أسمالٍ
تُعري الطيورَ، تستكشف الأرضَ التي لم تعدْ
تدور. تسطعُ. توَدُّ لو تُخيط
فاكَ. يسري فيك إحساس ما. تمتدّ أصابعك إلى الشّفاه.
لها طعمٌ كطعم العشب، هو الموت، أوجُ الصوتِ هذا-
كيف يتسنى لأربع عشرة ذبابة أن تدبَّ خارجَ جرح.


■ ■ ■


أعشاب 2


روكسوِيل: أغنية أرملة القشّ


لم تستطع أن تشعر بي لحظةَ قيّدتُ يديك
لتخطوَ خارج الحقل. كان طين الأرض
الشاهدَ الوحيد على حذائي الذي أراقَ
قشّاً أصفر في الليلِ ما بين العظام.
عليَّ ترميم نفسي، وتبقى أنت
فتعمّر وتهرم، سعاراً هامداً على الوتد.
سأحتلّ بيتك. سأُنعم النظرَ وأتخيّل العشبَ
يكسفُ الأسمال. تلك هي مكانتك الطبيعية.
وتذكر هذه: سيأتي نسريَ مُطالباً
بعينيك. سأقوم الآن بوظيفة مراقبة
أرملتك على القشّ. وسأطرقُ جدارَهم بذلك الصوت
الذي انتزعتُه، الصوت الذي يمتزج
بأصوات الموتى المطالبين بإزالة أسمائهم.
ـــ جنديّ ينظّم لائحة بأولئك الذين يعبرون ـــ


■ ■ ■


العيشُ في القِلَّة


ما أريدك
أن تشعر به، سخف
ذلك السؤال
الذي يلحّ عليك بالذهاب، الذهاب
على وجه السرعة، إلى أبواب الخليل
الأرجوانية حين ارتشاح الأنجم.
لكي تذهب بصفة ما، ولغرض ما
أزالتِ القصيدةُ نفْسها
حذفتْ فِكرتَها، حاجتُك إليها
قائمة ومتناوبة العودة، في تطلّعك إلى المطر
لم ترَ إلا مطرَ حديدٍ متشابك
حيث الأفكار صفَّحها المعدنُ
وحيث أننا لسنا في الخليل
تتساقط الغيوم في الباحات.
...
لا أفكار إلا في فلسطين، وكلُّ فضاءِ قصيدةٍ يهتفُ أنْ عُدْ،
عُدْ إلى فلسطين تَعِشِ الوفرة.
...
إنه ذلك النبض الذي يفطر القلب:
أنا قرب قلنديا، أنا في قلنديا
أنا أيضاً من قلنديا، يقول آخر،
أنا في حيفا، باقٍ في الوطن،
أنا كلّ فلسطينيي تلّ الربيع (تل أبيب الآن)
وأنا ما لا يُعَدّ من أجنحة الطيور، يقول شخص جديد،
أنا نابلس، الخليل، خان يونس
أنا في قلنديا يقول آخر
أنا هنا لكي أنال حصتي من المعاناة والألم
اللذين أنتجهما النظام النيوليبرالي
أنا هنا لكي أنال حصتي من المعرفة العميقة
تجاربَنا في الكفاح ورصّ الصفوف
أهدافنا والتحديات التي تقف في وجهها
أنا في قلنديا، يعبّر قائلٌ،
أنا ذلك الشعب الفلسطيني الذي سيقاوم
وسينتفض من جديد.
...
يقول أحدهم أنا من قلنديا
ويقول ثان إني قلنديّ الانتماء
ومن كيس مخبّأ يسحبان
نُسَخاً من وثائق قديمة
صفحاتٍ مفتَّتة تتفتتُ أكثر
بعينيك اللتين لا تبصران ما يكفي
لأن تحاول القراءة
وثمة سرب نوارس برؤوس سوداء
تحلّق بلونها المغبرِّ فوق حواف طباعية حادة تعلن اسمها:
أنا وعدُ بلفور، يقول أحدهما
أنا في قلنديا، يقول ثانٍ
في المطر التهمتك نوارس
الماضي، تركتك نهْبَ فكرة مضطربة، فلا تقُلْ،
الحبُّ هو ما لن تعتنقه مرتين كما يرددُ الأصداءَ النهارُ
تقرأ جان جينيه، يقول النهارُ
إنه ليس جينيه، ما تحاول أنت قوله
رغم أن النهار يحشرُ تواطؤَ جثتك التي بالكاد تتنفس
في مؤخرة سيارة أجرة
يتقشّر طلاؤها أبداً، لشدة حبّك،
أنت مَنْ، منذ 1970 فصاعداً، أمضيتَ سنتين
في مخيمات اللجوء في الأردن
ومَنْ يستعيد في الكتاب الذي يسرد
تفاصيلَ التجربة والنقاشات مع الفدائيين:
كلما نظر الأوروبيون إلينا أبرقتْ أعينهم،
الآن أفهم لماذا،
كان ثمة رغبة في الأمر
لأن نظرتهم إلينا أنتجتْ
في أجسادنا ردة فعل قبل أن ندركها
حتى حين كنا نولي ظهورنا لهم كان يمكننا أن نشعر بأعينكم
تثقب مؤخراتِ أعناقنا
وبشكل تلقائي أُسبغتْ علينا البطولة
وبالتالي الوضعية المتكلّفة الجذابة
السيقان، الأفخاذ، الصدر، العنق،
كلّ شيء أسهم في استكمال السحر
لم نكن نرمي لجذب امرئ على وجه الخصوص
لكن مذِ استفزّتنا أعينكم
وجعلتم منا نجوماً
استجبنا
لأمانيكم وآمالكم
لولا أنكم جعلتم منا وحوشاً أيضاً
أسميتمونا إرهابيين، فكنا النجوم "الإرهابيين"...
...

* Steve Willey شاعر بريطاني، وأستاذ في "جامعة بيركيبك" في لندن، وهو مختص في الأدب الأميركي والبريطاني في القرنين الـ20 والـ21. أصدر عدة مجموعات شعرية، وظهرت قصائده في أنطولوجيات مختلفة، والقصائد المنشورة هنا من مجموعة بعنوان Living In وتصدر في 2018. ينشط ستيف ويلي ثقافياً لصالح القضية الفلسطينية ويندّد في كتاباته بالمسؤولية البريطانية عن نكبة الشعب الفلسطيني وهو مؤسس مشروع "وتد" في لندن.


* ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون