ذاكرة مقاومة

ذاكرة مقاومة

25 ابريل 2016
"روح العصر"، راؤول هوسمان، النمسا
+ الخط -

سبَق روائيون وسينمائيون تجارب العلماء في تخيّل واقع جديد وغريب معاً. اختراعات واكتشافات ظهرت في أعمالهم، وتحوّلت إلى حقيقة لاحقاً، لكن أحداً لم يتصوّر أن ما يبشّرون به قد ينقلب ضدهم ذات يوم.

كلما تطوّرت هذه الشبكة غير المرئية، التي تسمى "إنترنت الأشياء"، وترابَط البشر والحيوانات والسلع بأجهزة حسّاسة، وتضاعف جمْعها للبيانات، وتحسّن مستوى معالجتها من أجل اتخاذ القرار، فإن دور الإنسان سيتضاءل ويختفي إذا تمّكنت الآلة من أن تقوم بأدواره المتبقية ومنها إصلاح ذاتها بذاتها!

التكنولوجيا ستدير حياتنا اليومية قريباً؛ شركات السيارات تتابع أعطال مَركباتها بعد البيع قبل أن يفطن لها سائقوها، والمستشفيات تتفقد مرضاها قبل أن تغزوهم العلل، ونتحكّم بمنازلنا عن بعد، وتعمل المصانع من تلقاء نفسها بفعاليةٍ تفوق إدارة البشر.

الذاكرة الإنسانية تواصل موتها البطيء، فلا فائدة من تذكّر عمليات نمارسها يومياً بعد أن تحلّ التقنيات محلّنا، وسنفقد أغلب انفعالاتنا ودهشتنا. وحينها يصبح السؤال ملحاً عن جدوى الأدب والفن، فلن تجد القصائد متذوقاً لها، وستغيب المرأة التي تبكي تأثراً بالمشهد الأخير لفيلمٍ، والفتى الذي يطير عند استماعه إلى مقطوعة تذكّره بحبيبته!

هيمنة الآلة ورقابتها اللصيقة ربما تحفزّ ذاكرة مبدعين استثنائيين على مقاومة هذا الاستلاب، الذي يُنتج أشكالاً جديدة من التوحّش والاستبداد.

دلالات

المساهمون