متاحف النساء.. بحثاً عن سرديات بديلة

متاحف النساء.. بحثاً عن سرديات بديلة

08 مايو 2017
من الندوة (العربي الجديد)
+ الخط -

لا تزال محاولات التأريخ غير الرسمي تتطوّر في مصر، وإن لم تدعمها في الغالب غير الجهات الأوروبية، إلا أنه يمكن القول في العموم بأن التجربة تأخذ طريقاً جاداً في تقديم سرديات بديلة للتاريخ وطرح العديد من الأسئلة المعرفية، هذه الأسئلة لا تتوقف فقط عند مسألة الجندر، بل تتخطاها إلى مختلف المساحات الخاصة بالفئات المهمشة أو الفئات التي قد لا يستمع لها المؤرخون الرسميون.

في هذا الإطار، نظمت مؤخراً "مؤسسة المرأة والذاكرة" حلقة نقاشية بعنوان "نحو متاحف للنساء في المنطقة العربية: سرديات شفوية ومعارض" في "الجامعة الأميركية" في القاهرة، وذلك على هامش معرض "أنا بخير، اطمئنوا".

حكايات قصيرة عن النساء والعمل والحِراك، ركّزت فيها المشاركات على أهمية الأرشيف غير الرسمي والتاريخ الشفوي للنساء في الأطراف، والتي يتم انتقال الثقافة فيها شفوياً، في مناطق مثل الصعيد والدلتا والمدن الصحراوية كسيناء والعريش.

في كلمتها، اعتبرت هدى الصدّة، رئيسة مجلس أمناء "مؤسسة المرأة والذاكرة" أن التاريخ الشفوي من أهم دعائم الحركة النسوية في مصر منذ الخمسينيات، وذلك حينما قرّر عدد من نشطاء الاشتراكية الاعتماد على التاريخ الشفوي للتأريخ للطبقات العاملة والمهمشين ومنهم النساء، في الوقت الذي بدأ ارتباط التاريخ الشفوي بشكل وثيق بالحركات الاجتماعية، وحركات التحرّر الوطني. وذلك بعدما كان التاريخ الرسمي لفترة طويلة يقتصر على حكايات الزعماء والأغنياء والمشهورين.

ترى الصدّة أن الأرشيف الشفوي له دور تكملة الصورة المعرفية التي أخذت لزمن طويل تسلّط الضوء على جانب واحد من المعرفة، وهي معرفة اتخذت طابعاً ذكورياً منحازاً باعتبار أن جزءاً من المجتمع أهم من بقية الأجزاء، وجعلت من الأنماط المعرفية الأخرى هامشاً، لتأتي خصوصية الأرشيف البديل أو الموازي للّعب على تغيير هذه المعادلة المكرّسة القائمة على تأطير القيمة.

طرحت الصدّة أيضاً ثنائية السلطة والأرشيف، فأشارت إلى أهمية تجاوز فكرة أن هناك أرشيفاً وطنياً يعبّر عن الذاكرة الجمعية بشكل حصري، أو أن هناك سردية وحيدة تلخص هذه الذاكرة، وأن كسر هذه الأسطورة يجعل المعركة مع السلطة معركةً حقيقية وفعلاً من أفعال المقاومة.

وعن تركيز المؤسسة على النساء في بناء هكذا أرشيف، قالت الصدّة "ثمة وجاهة في التركيز على النساء من منطلق التمييز الإيجابي، وعلاقات القوة التي رسّخت تهميشهن. إلى جانب ذلك نحن نعمل من خلال الأرشيف الشفاهي النسوي على سد تلك الفجوة التي أُسقطت فيها النساء لفترة طويلة".

من جانب آخر، تشير المتحدّثة إلى أن التاريخ الشفوي واجه مشكلة جوهرية يعانيها التاريخ الرسمي نفسه، وهي معيار الموضوعية في التوثيق، معتبرة أن مصداقية المصادر وموضوعيتها كانت من أهم المشكلات التي تواجه الأرشيف الشفوي، ومسألة الموضوعية نفسها هي مسألة جدلية.

بعد ذلك، تحدثت ديمة قائدبيه، عضو "المنظمة النسوية" في بيروت، ومن مؤسسات "منظمة صوت النسوة" التي لها أيضاً تجربة في الأرشيف الشفاهي النسوي، حيث جرى توثيق العديد من الحكايات النسائية على موقع إلكتروني على الإنترنت.

تقول قائدبيه إن "قصص التوثيق التي تهتم بها الحركة النسوية في لبنان كان ينقصها توثيق قصص شريحة كبيرة من النساء في مناطق متفرّقة من لبنان، لذلك قرّرنا اللجوء إلى استراتيجية مختلفة وغير مألوفة هي توثيق حكايات النساء غير المعروفات، فهناك الكثير من القصص لا تُكتب وكأنها قصص غير مهمة، لذلك حاولنا أن نجعل هذه القصص الشفاهية متاحة للجميع على موقع "صوت النسوة" الإلكتروني".

من فضاء ثقافي مختلف تماماً، تحدّثت بوديل أولسن، مديرة "متحف المرأة" في مدينة آرهوس في الدنمارك، مشيرة إلى دور هذه المؤسسة كمصدر لدراسات المرأة والتي هي دراسات تتصل عضوياً بالتاريخ والثقافة والهوية بشكل عام، فهذا المتحف الذي أقيم منذ ثمانينيات القرن الماضي أتاح الفرصة لتوثيق التفاصيل اليومية للمرأة الدنماركية سواء في المناطق الريفية أو الحضرية وهي التفاصيل التي ساعدت باحثي السوسيولوجيا في رصد الفوارق والفواصل بين الطبقات المختلفة من مدخل المرأة.

تحدّثت أولسون عن تاريخ المؤسسة، حين عادت إلى أن "متحف المرأة" في الدنمارك كان يستعمل كمبنى للبلدية أو كمكتب لعمدة مدينة آرهوس، وقد تم إنشاؤه عام 1857، ولم يكن يُسمح للنساء بدخوله للتصويت، حتى مُنحت المرأة حق التصويت في الانتخابات المحلية عام 1908، لتدخل بعد ذلك دوجمار بيدرسون المبنى كأول امرأة عضو بمجلس البلدية، وتحوّله إلى متحف للنساء.

عن مسألة التمويل ومدى تدخل الدولة في توجّهات المتحف ونشاطاته سأل أحد الحضور أولسن فأجابت بأن المتحف يمارس نشاطاته بشكل بعيد عن الرقابة، لكن ذلك لا يمنع أن يتعرّض أحياناً لبعض المماحكات مع السلطة نتيجة تناول قضايا تغيير الجندر، ولكن العمل في المجال الاجتماعي يستلزم دائمًا المقاومة في مساحات مختلفة.

سبا اينرزدونز، عضو "متحف المرأة في آرهوس"، اعتبرت أن العمل على توثيق التاريخ الشفوي في الدنمارك ذو أهمية كبيرة خاصة أن المرأة في الدنمارك عانت على مدار فترات طويلة من تمييز سلبي ضدها، وجاءت مرحلة التوثيق الشفاهي على لسان السيدات بمثابة التطوّر الفعلي من مرحلة الاحتجاج العفوي والكتابة على الحائط إلى مرحلة البوح والتعبير دون خوف أمام أدوات التوثيق.

الأسئلة التي طرحتها الباحثات في التوثيق الشفاهي لا تقدّم فقط بعداً معرفياً جديداً، بل تعيد صياغة ما تم تكريسه بالفعل، منها مسألة صياغة القيمة هل هي كامنة في الأشياء، أم هي من صنع التحيزات.

من جهتها، تحدّثت ريم سعد، أستاذة الأنثروبولوجيا في "الجامعة الأميركية" في القاهرة، عن تجربتها في مجال التوثيق الشفاهي على مدار عشر سنوات في الصعيد المصري حيث طرحت أهمية التوثيق وعرضه في متاحف في مصر على غرار "متحف المرأة في آرهوس"، وقالت: "قدرة المعرض تكمن في إعادة تثمين الأشياء، الروايات الرسمية في التاريخ كانت تثمّن الأشياء وفقًا لسلطة صاحبها أو شهرته، وكأن التفاصيل الصغيرة الكامنة في الثقافة الشعبية خالية من القيمة".

دلالات

المساهمون