"المتفرّج صفر": تحويل الخامة إلى حلم

"المتفرّج صفر": تحويل الخامة إلى حلم

09 مايو 2020
(يان ديديه)
+ الخط -

عادة ما يكون الممثلون، وبدرجة أقل المخرجون، العناصر الأشهر في صناعة الأفلام، وقلما سلّطت الأضواء على غيرهم من المساهمين في الأعمال السينمائية، ومن هؤلاء التقنيون، حيث أن صورتهم في التداول العالم هي أقرب إلى الكومبارس من ممثلي أدوار البطولة على الرغم من أهمية الأدوار التي يلعبونها.

يُعتبر الممنتج الفرنسي يان ديديه (1946) أحد السينمائيين القلائل الذين يمكن الحديث معهم عن نجومية حققها من موقعه كتقني، والمفارقة أنه أيضاَ مارس التمثيل والإخراج وكتابة السيناريو إلا أن اختصاصه الأول في المونتاج ظلّ الأكثر التصاقاً به، وحوله أصدر مؤخراَ كتاباَ بعنوان "المتفرّج الأول" عن منشورات "بول".

المادة الأساسية التي ينطلق منها الكتاب هي مجموعة حوارات أجرتها الصحافة المتخصصة في السينما مع ديديه على مدى نصف قرن من مسيرته الاحترافية، غير أن هذه الحوارات أعاد المؤلف تحريرها بحيث تتجاوز سياقاها لتبدو مثل شكل مبتكر من كتابة السيرة الذاتية.

لكن هذه السيرة لا تخرج من "إطار" الممنتج، فقد حرص ديديه على أن يروي مسيرته من خلال أفلام عُهدت إليه لتركيبها، ومن هنا مصطلحه "المتفرج صفر"، فهو على عكس المشاهد العادي يأتيه العمل في شكل خامة من اللقطات فيصهرها ضمن رؤية موحّدة.

لكن عملية الصهر هذه ليست حرة بشكل كامل حيث أنها محكومة بشرط عدم تدمير منطق المخرج في عمله، وتلك معادلة دقيقة يحرص المؤلف على الكشف عن أسرارها وهو يتحدّث بشكل تفصيلي عن جدالاته مع المخرجين الذين تعامل معهم وأبرزهم فرانسوا تروفو، ودوزان ماكافيييف، وموريس بيالا، وسيدريك كان، وجان فرانسوا ستيفنِن.

في هذا السياق، يقدّم ديديه شهادات عميقة حول فلسفة عدد من المخرجين الذين تعامل معهم، إذ يشير إلى أن هدف المونتاج الذي يشتغل عليه يتنوّع بحسب المخرج، فمرة يكون الحفاظ على "طهورية" عوالم تروفو، ومرات على "قسوة" أفلام موريش بيالا، وأحيانا الإبقاء على الروح التجريبية لدى فيليب غاريل، أو البحث عن البساطة في أعمال جان متري بوارييه.

هكذا يجعل ديديه من موقع الممنتج مدخلاً لكتابة تاريخ مختلف للسينما، والتي تُكتب انطلاقاً من الأفلام المنجزة وما هي بحسبه إلا الجانب الظاهر وحده من عالم السينما، أما الباطن منه فله قوانينه التي لا تنحصر في علاقة إنتاج-تلقي، بل هي شبكة من الجدالات والتحويرات، حتى أن المؤلف يشير إلى أن تاريخ السينما المعروف إنما هو احتمال واحد من آلاف الاحتمالات التي كان يمكن لأي فيلم أن يخرج بها من بين يدي الممنتج.

المساهمون