بؤس النقد ليس حكراً على أحد

بؤس النقد ليس حكراً على أحد

17 فبراير 2015
عمل للفنانين الصينيين سون يوان وبينغ يو
+ الخط -

يقال إن المجتمعات الحيّة لا تستكينُ لحال، وهذا شأن ألمانيا اليوم مع النقد الأدبي. فقد أظهرت إحصائية نشرها موقع "بيرلن تاوخر" (صياد اللؤلؤ) المختص بالأدب، تراجع النقد الأدبي في الصحف اليومية والأسبوعية إلى نصف ما كان عليه قبل عشرة أعوام.

وبدلاً من النقد والتقويم، أصبح القارئ يعرف نوعية السيجار المفضّل لدى هذا الكاتب أو ذاك، أو يقرأ غمزاً على أحد الكُتّاب بداعي أن "سمعته الأدبية مشكوك في أمرها". ولا يفهم القارئ لماذا يعتبر عارض الكتب في الصحيفة هذه الرواية جيدة أو تلك سيئة، كأن ذلك سرٌ يخصّ "الناقد" وحده.

وتشير الدراسة إلى أن الأمر لا يرجع فقط إلى "مَواتِ الصحف"، ذلك أن قنوات التلفزيون العامة راحت تستعيض عن عرض الكتب بمقابلات مع بعض الكُتّاب، يتحدثون فيها عن مشاعرهم وشؤون أخرى لا تعني المشاهد ولا تتعلق بالكِتاب.

وقد أشار يورغ دريفز، وهو أكاديمي وباحث في شؤون الأدب، إلى أن النقد الأدبي في ألمانيا لم يعد قادراً على تقويم كتبٍ وروايات صعبة. السبب في ذلك، حسب دريفز، متعلق بالمردود المالي بشكل بحت. ذلك أن من يقوم بعرض الكتب أو يكتب نقداً، تُصرف له مكافأة على "القطعة"؛ لهذا لا يفضّل الناقد معالجة كتب وروايات صعبة تأخذ الوقت والجهد، في حين بإمكانه أن يُنجز عدة مقالات بسيطة في وقت قصير.

بيد أن هذا التعليل يقدّم توصيفاً لا يفي بشرح معضلة النقد الأدبي في ألمانيا بشكل عام. فقد تُقال أشياء كثيرة من دون معيار، كأن تكون مَلَكَةُ الكاتب (س) ضعيفة وأسلوبية (ص) ركيكة وغيرها من الصفات، لكن من دون تقديم برهان على ذلك. لا بل إن ناقداً قد يمتدح اليوم رواية معينة باعتبارها "عملاً استثنائياً"، ويقوم آخر بتمزيقها في برنامج تلفزيوني لاعتبارات يجهلها المتلقّي. لذلك تعجُّ كتابات هؤلاء بصفات مثل "رائع" و"كتاب العام"، إلخ، وليس من النادر أن ينسى هؤلاء في نهاية السنة ما قالوه في مطلعها أو خلالها.

كل هذا أدّى إلى عزوف القرّاء عن النقد الذي يكتبه نُقّاد يعملون في نفس الدار التي صدر الكتاب عنها. ويحدث أن يجري اتفاق بين عدد من النُقّاد لاتخاذ مواقف منسّقة من نتاج صديق على طريقة الـ "إخوانيات"، ما يعني عدم أخذ البعد الإبداعي للعمل الأدبي في عين الاعتبار كما هو مفترض.

رغم كل هذا، ما زال يمكن للنقد الأدبي الجاد أن يؤثّر في أدب الحاضر باستخدام المعايير التي تميّز الأدب. لكنه إذا ما اقتصرَ على مديح أو اكتفى بتصريح صحافي لدار النشر أو للكاتب، فإنما يُجهّز النعش لدفن النوع الجدّي من القراءات والعروض والنقد.

دلالات

المساهمون