ترامب والإجهاض... الرئيس الأميركي في مواجهة الحركة النسوية

ترامب والإجهاض... الرئيس الأميركي في مواجهة الحركة النسوية

16 فبراير 2017
متظاهرات يندّدن بقرارات ترامب (سكوت أولسون/ Getty)
+ الخط -


لا شكّ في أنّ الحركة النسوية في الولايات المتحدة الأميركية حقّقت الكثير، خلال عقود طويلة من النضال، غير أنّ هذه الإنجازات مهدّدة مجدداً اليوم، نتيجة المناخ السياسي السائد، وهو الأمر الذي يجعلها بالتالي رهينة دائمة للسياسة.


بعد أقلّ من ثمانٍ وأربعين ساعة على توليه منصبه، وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الثالث والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، أمراً تنفيذياً يقضي بقطع المساعدات الأميركية الصحية عن أيّ مؤسسة أو مجموعة خارج الولايات المتحدة الأميركية تدعم الإجهاض، أو تساعد في عملها على القيام به، أو تروّج له، أو حتى تطرحه كاحتمال خلال تقديمها خدماتها الصحية. ولهذه السياسة تبعات خطيرة، منها أنّها لا تستثني حتى النساء المصابات بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) اللواتي من الممكن أن ينقلنَ المرض إلى أجنّتهنّ، وبالتالي أولادهنّ، في حال لم يتمكّنّ من الإجهاض.

الأمر ليس بجديد، فالرئيس الأميركي رونالد ريغان كان قد أعلن الأمر التنفيذي نفسه في عام 1984 خلال مؤتمر للأمم المتحدة في المكسيك، إلا أنّ الرئيس بيل كلينتون ألغاه بعد سنوات عدّة. ثم عاد الرئيس جورج دبليو بوش ليفعّله، قبل أن يلغيه الرئيس السابق باراك أوباما. واليوم، يصدر ترامب قراراً بالعمل به مجدداً.

وكانت المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة الأميركية قد حسمت الأمر في قضية الإجهاض حين أصدرت قرارها حول هذا الشأن في عام 1973. عُرفت القضية باسم "رو ضد ويد"، وعدّ قرار المحكمة آنذاك الإجهاض أمراً شخصياً لا يحقّ للدولة التدخّل فيه. بموجب ذلك، أصبح بإمكان الكوادر الطبيّة تقديم المساعدة وإجراء عمليات الإجهاض من دون أن يؤدّي ذلك إلى تجريم الأطباء ولا أيّ من الكوادر العاملة، شريطة أن يحصل ذلك، على حدّ أقصى، بحلول الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل. ونصّ القرار كذلك على أنّ المرأة غير مضطرة إلى تقديم مبرّرات لقرارها حول وقف حملها.

في سياق متّصل، يرغب المتشددون من المسيحيين الجمهوريين، بمساعدة ترامب، في وقف تغطية التأمين الصحي لتكاليف أدوية منع الحمل، في بلد لا يتمتّع جميع سكانه بتأمين صحي، إذ إن نحو 28 مليون أميركي لا يستفيدون من ذلك التأمين. وكان إلغاء برامج التأمين الصحي التي أقرّها أوباما، "أوباما كير"، والتي تشمل أكثر من 13 مليون شخص جديد، واحدا من شعارات حملة ترامب، وواحدا من القرارات التي ينوي والجمهوريون تنفيذها. تتخوّف نساء كثيرات اليوم في الولايات المتحدة من قلب حكم المحكمة الدستورية المذكور آنفاً بسبب تركيبة المحكمة الحالية، إذ يشغل أربعة جمهوريين وأربعة ديمقراطيين مناصب قضاة، في حين ما زال منصب القاضي التاسع شاغراً منذ عشرة أشهر بسبب رفض الجمهوريين وعرقلتهم مقابلة القاضي الذي رشّحه أوباما بعدما تُوفي أنطونيو سكاليا. أمّا مرشّح ترامب للمقعد الشاغر فهو نايل غورسيتش، وهو قاضٍ محافظ جداً ومن تلاميذ القاضي سكاليا، الذي كان الأكثر محافظة ويمينية في المحكمة حتى وفاته. ومن المتوقع أن يصادق على ذلك الكونغرس ذو الأغلبية الجمهورية. وبما أنّ اثنين من القضاة في الثمانينيات، من المرجّح أن يتقاعد واحد(ة) منهما، وبذلك يمكن لترامب أن يرجّح كفّة المحكمة أكثر إلى اليمين، من خلال اختياره كذلك المرشح المقبل. بالتالي، تزداد احتمالات قلب قرار "رو ضد ويد".



ما قبل 1973

بهدف فهم عواقب ما يمكن أن يحصل، لا بدّ من إلقاء نظرة سريعة على الوضع قبل عام 1973 ، تاريخ صدور قرار المحكمة الدستورية التي أعطت المرأة حقّها في اتخاذ القرار حول جسدها، وأوقفت تجريم الكوادر الطبية التي تساعد على القيام بعمليات الإجهاض. تصف النسوية الأميركية، غلوريا ستاينم، في كتابات عدّة، حالة الخوف والرعب التي كانت تعيشها النساء الحوامل اللواتي كنّ يرغبنَ في الإجهاض قبل ذلك، ناهيك عن الوصمة الاجتماعية والضغط النفسي وكذلك الجسدي والخطر الذي يتعرّضنَ له. في ذلك الوقت، أي في السنوات الأخيرة التي سبقت قرار المحكمة الدستورية العليا، كانت مليون امرأة تقريباً يجهضنَ سنوياً بطريقة غير قانونية، بينما تصل حالات الوفاة بينهنّ إلى 200 سنوياً. كثيرات من هؤلاء، في الغالب، شابات صغيرات، كنّ يقدمنَ على تناول الأدوية أو حقن أنفسهنّ بمواد سامة مختلفة لإجهاض الأجنّة، وغالباً ما يُنقَلنَ إلى المستشفيات للعلاج. وفي أحيان كثيرة، كانت لذلك عواقب صحية ونفسية وخيمة على أجسادهنّ.

أمر غير جائز

اليوم، ترى نساء كثيرات في الولايات المتحدة عدم جواز إبقاء جسد المرأة موضوع نزاع للسياسيين من اليمين واليسار. ففي كلّ مرّة تُشنّ معركة لاتخاذ قرارات متعلقة بجسد المرأة وصحتها.

وعن تأثير الأمر التنفيذي الذي وقّع عليه ترامب، توضح مديرة معهد غيلينغ للصحة العامة التابع لجامعة شمال كارولاينا، سو تولسون - راينهارت، أنّ "في الإمكان القول إنّ المعلومات البحثية القليلة التي بحوزتنا عن تأثير ذلك القرار، تشير إلى أنّ العلاقة بين تحسّن الصحة أو تدهورها لدى المرأة ترتبط سببياً بفرض ذلك القرار أو عدم فرضه". تضيف، في حديث إلى "العربي الجديد": "ما أعنيه هو أنّه عندما يُفرَض ذلك القرار، فإنّ المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال صحة المرأة تتضرّر لجهة قدرتها على توفير الخدمات الصحية للنساء، وبالتالي تتضرّر النساء أنفسهنّ. وحين يُرفع ذلك المنع، فإنّ قدرة المنظمات التي تقدّم الخدمات الصحية للنساء المحتاجات إليها على القيام بعملها، تتحسّن بطريقة ملموسة". وتتابع أنّه "منذ ثمانينيات القرن الماضي، فُرض ذلك المنع من قبل رؤساء جمهوريين، فيما عمد إلى رفعه رؤساء ديمقراطيون. وتشير دراساتنا إلى أنّ إعادة فرض المنع واستمراره سوف يؤدّي إلى تدهور الأوضاع الصحية للنساء، تحديداً في البلدان ذات الموارد النزرة والمداخيل المنخفضة. نحن في حاجة إلى بحوث أكثر وأفضل حول هذه العلاقة، لكنّ المعلومات التي في حوزتنا تدعم الاستنتاج الذي يؤكّد أنّ المنع لا يفيد وضع المرأة الصحي".

تأتي النقاشات بعد حملة انتخابية رئاسيّة تميّزت بالذكورية والعنصرية الفجّة. فقد انتشرت خلال حملة ترامب الانتخابية، تسريبات وتصريحات مشينة في حقّ المرأة، ولعلّ أبرزها ما يتعلق بتسريب تسجيل فيديو يصوّره وهو يتكلّم بسخرية وسوقية عن النساء وكأنهنّ سلع يمكن لمسها والتحرّش بها في أي وقت وكيفما شاء. إلى ذلك، في مقابلة معه خلال حملته، أجاب عن سؤال حول رأيه في حقّ المرأة في االإجهاض قائلاً بوجوب محاكمة التي تقوم بذلك. ثم تراجع عن ذلك، مدعياً أنّه قصد محاكمة الأطباء. تجدر الإشارة إلى أنّ نواباً في الكونغرس الأميركي ومتنافسين سابقين على الرئاسة، كانوا قد عبّروا عن آراء ذكورية ومتسلطة حول جسد المرأة، لا تقلّ سوءاً عن رأي ترامب وإن كانت أقلّ فجاجة. على سبيل المثال، كان ريك سانتورم، وهو عضو كونغرس ومتنافس سابق على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2012، قد صرّح بأنّه يعارض حتى إجهاض المرأة المغتصبة لأنّ ذلك الحمل، حتى لو جاء عن طريق الاغتصاب، هدية من السماء.

تجدر الإشارة إلى أنّ الصورة التي انتشرت لمراسم توقيع ترامب على الأمر التنفيذي، أظهرته محاطاً بعدد من مستشاريه ومعاونيه وجميعهم من الرجال. ولعلّها واحدة من أكثر الصور رمزيّة وتعبيراً عن السلطة الذكورية في الحكومة الحالية وسيطرتها على المشهد السياسي في الولايات المتحدة.

المساهمون