الأرنبة الجميلة

الأرنبة الجميلة

22 نوفمبر 2014
كانت وحيدة في المدرسة (Getty)
+ الخط -

قبلَ أن تخرج من المنزل، تحرص على تغطية الجرح الذي يعلو شفّتها العليا جيداً. تسعى إلى إخفائه تماماً. يجب ألا يراه أحد فتتحوّل إلى فتاة قبيحة. تضع طبقة فوق أخرى من أساس الماكياج. تبقى منه ندبة صغيرة. لن ينتبه إليها أحد على الأرجح. تبتسم بعدما صارت تشبه فتيات يهمّها أن تشبههن. لم يعد وجهها مشوّهاً. ملامحها غير معتدى عليها. ربما جميلة. نعم جميلة. لطالما ربطت الأمر بنظرة الآخرين إليها. حسناً هي لا تؤمن بجمال الداخل. هو مجرّد خدعة نلجأ إليه لإخفاء قباحة الخارج، تلك التي نريد طمسها.

ماذا لو لم يكن هذا الجرح موجوداً؟ لتغيّر كل شيء، لتغيرت هي قبل كلّ شيء. لم يكن لينعتها زملاؤها بـ"الأرنبة". ما بقي من مشكلتها جعلها تشبه ذلك الحيوان الأليف. أهي أرنبة حقاً؟ لماذا دمّر هذا الكائن اللطيف حياتها؟ ولدت بـ"الشفة الأرنبية"، وهي عبارة عن انشقاق أو تشوه خلقي يصيب الشفة، وعادة ما يكون مصاحباً بشق في سقف الحلق. بعد عمليات جراحية عدة، حافظ الأرنب على وجوده في وجهها، وتحديداً أعلى الشفة. ترك أيضاً جرحاً وثقباً في سقف الحلق.

حقدت عليه. لم تكن تريد أن تشبهه، بل أن تحبه. من دون أن تفكر بالأمر، كرهت الجَزر. أكله سيؤكّد إصابتها به. الناس سألوا أكثر من اللزوم عن جرح لا يفترض أن يعنيهم. سألوا وأطلقوا الصفات وحكموا على مستقبلها. لن يتزوجها أحد. كيف سيقبّلها؟ سيخاف أن ينجب أطفالاً منها. ستكون وحيدة. لولا جرحها لما استغربوا أن يحبّها شاب، وينتظر قدومها من المدرسة كل يوم. عشقها كما هي. لم يُكثر الأسئلة. وهي لم تصدق. صديقتها استغربت أن يعجب بها هذا الشاب الوسيم. قالت لها ذلك بصريح العبارة. لولا جرحها، لم تكن لتحقد على أية فتاة جميلة. طيّبة هي. تتمنى الخير للجميع. لكنها لم تحتمل ما ظنّت أنها حرمت منه بسبب جرح صنعه أرنب.

في المدرسة، كان الأرنب الذي يسكنها يُبعدها عن زملائها. تخشى نظراتهم أو أسئلتهم أو شفقتهم. تخشى أن تكون الفتاة ذات الجرح. تختبئ منهم. مع ذلك كانوا يحاصرونها. عجزت عن طردهم من رأسها. والمشكلة أنها لن تدافع عن نفسٍ لم تحبها. عزلتها تماماً. عاشت وحيدة. تتأمل وجهها في المرآة، تبحث فيه عما يمكن أن يكون جميلاً. عبثاً. كانت تخشى ربط شعرها حتى لا تصبح ملامحها أكثر وضوحاً. غلبها الجرح.

تزوجت الشاب الذي لم يكثر الأسئلة، وعرف كيف ينظر إليها، ويكتشف جمالها الذي ما زالت تبحث عنه بعيداً عن ظل الأرنب. لو أن الناس سألوا عنها أكثر من الجرح، لتغير كل شيء. تقول إن هذه الكلمات ليست قاسية. القساوة تكمن في ما عاشته وحدها. فلتَكُن أرنبة وجميلة.

دلالات

المساهمون