تقديرات متباينة لمسلمي روسيا

تقديرات متباينة لمسلمي روسيا

29 مارس 2019
مسلمات شيشانيات في روسيا (يلينا أفونينا/ Getty)
+ الخط -
في غياب الإحصاءات الدقيقة، تتباين تقديرات عدد المسلمين في روسيا وزيادة نسبتهم في المجتمع، وذلك مع تفوّق القوميات المسلمة، لا سيّما في شمال القوقاز، على غيرها من حيث معدّلات الإنجاب ونسبة الشباب بين أبنائها. وفي الوقت الذي توقّع فيه مجلس المفتين في روسيا ارتفاع نسبة المسلمين إلى 30 في المائة في خلال 15 عاماً، شكّك باحثون في علم الاجتماع في دقّة هذه التقديرات ورأوا أنّه مبالغ فيها. يقول رئيس قسم البحوث في معهد "حوار الحضارات" أليكسي مالاشينكو إنّ مثل هذه التوقعات غير واقعية بالمرة، نظراً إلى عدم ارتفاع عدد المسلمين بوتيرة مماثلة. يضيف في حديث إلى "العربي الجديد" أنّه "في حال تحققت هذه التوقعات، يعني ذلك أنّ عدد المسلمين في روسيا سوف يتجاوز 40 مليوناً في مقابل 15 إلى 17 مليوناً في الوقت الحالي". ويشير إلى أنّ "من بين مسلمي روسيا، 5.5 ملايين من أبناء الشعب التتاري الذين لا تتجاوز معدلات المواليد بينهم تلك التي تُسجّل لدى القوميات السلافية، بالإضافة إلى 1.5 مليون بشكيري والعدد نفسه من الشيشانيين، وهي القوميات الروسية المسلمة الثلاث التي يزيد عدد أبناء كلّ منها عن المليون".




ولمّا كان عدد المسلمين في روسيا يقدّر اليوم بنحو 20 مليوناً، يوضح مالاشينكو "أن هذا الرقم يشمل جميع المسلمين المقيمين في البلاد، بمن فيهم المهاجرون الوافدون من آسيا الوسطى، وليس فقط الذين يحملون الجنسية الروسية". وحول تأثير معدّلات الإنجاب المرتفعة لدى بعض القوميات المسلمة على هيكل سكان روسيا، يقول مالاشينكو: "صحيح أنّه أعلى وثمّة أرقام تظهر أنّ جمهورية إنغوشيا الواقعة في شمال القوقاز تتميّز بأعلى معدلات الإنجاب عالمياً (إلى جانب قطاع غزة)، لكنّ هذا الأمر غير مؤثّر على مستوى البلاد التي يتخطى عدد سكانها 140 مليون نسمة، خصوصاً أنّ معدّلات الزيادة السكانية تتباطأ حتى بين القوميات الأكثر إنجاباً. كذلك، فإنّه لا يتوفّر تعريف واضح لمن هو مسلم، هل هو كلّ شخص ينتمي إلى قومية مسلمة أم من يمارس الشعائر الدينية الإسلامية؟". يُذكر أنّه بحسب بيانات عام 2015، فإنّ عدد المواليد في إنغوشيا البالغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، تجاوز عدد الوفيات بمقدار خمسة أضعاف.

في وقت سابق من مارس/ آذار الجاري، توقّع رئيس مجلس المفتين في روسيا، راوي عين الدين، في تقرير حول تاريخ الإسلام في روسيا عرضه أمام مجلس الدوما الروسي، ارتفاع نسبة المسلمين في البلاد إلى 30 في المائة بحلول عام 2034. أمّا رئيس اللجنة البطريركية لشؤون الأسرة والأمومة والطفولة، دميتري سميرنوف، فحذّر من "انتهاء الروس بحلول عام 2050"، مشيراً إلى أنّ ثمّة أسراً شيشانية وإنغوشية تنجب ما يصل إلى ثمانية أولاد في مقابل ولد واحد أو ولدَين على الأكثر في العائلات الروسية.

ولمّا كان المهاجرون الوافدون من آسيا الوسطى إلى روسيا بمعظمهم من المسلمين، تجاوزت قضية الإسلام في روسيا نطاقها الاجتماعي، متحوّلة إلى واحدة من المسائل المدرجة على الأجندة السياسية. ومع احتدام الجدال حول المبالغة في زيادة عدد المسلمين في روسيا، رأى الأستاذ في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبرغ، سيرغي أباشين، أنّ حركة الهجرة من آسيا الوسطى ليس لها أيّ تأثير يذكر على الوضع السكاني، مشيراً إلى تحوّل الأرقام إلى أداة سياسية. وقال أباشين لموقع قوقازي، إنّ "المهاجرين من آسيا الوسطى بمعظمهم مغتربون بشكل مؤقت، يحضرون ويغادرون من دون أن ينالوا الجنسية الروسية في أغلب الأحيان. وفي الآونة الأخيرة، استقر عددهم عند مستوى 4 - 4.5 ملايين. ولم يزدد هذا الرقم، بل تراجع بصورة طفيفة بسبب الأزمة الاقتصادية".




والإسلام يُعَدّ ثاني أكثر ديانة انتشاراً في روسيا بعد المسيحية، ويتركّز المسلمون في جمهوريات شمالي القوقاز وجمهوريتَي تتارستان وبشكيريا، بالإضافة إلى العاصمة موسكو التي يقطنها نحو مليونَي مسلم. وبحسب دراسة أعدّها مركز "بيو" الذي يتّخذ من واشنطن مقراً له، فإنّ نسبة المسيحيين الأرثوذكس في روسيا بلغت 71 في المائة في عام 2017، يليهم المسلمون بنسبة 10 في المائة (14 مليون نسمة)، أي أكثر من عدد المسلمين في باقي بلدان أوروبا الوسطى والشرقية مجتمعة. على الرغم من ذلك، خرج المركز بنتيجة مفادها أنّ مسلمي روسيا أكثر التزاماً بالشعائر الدينية بالمقارنة مع المسيحيين، ويؤدّون الصلاة يومياً ويتوجّهون إلى دور العبادة مرّة واحدة أسبوعياً على أقلّ تقدير. يُذكر أنّه في لقاء جمعه مع ممثلي المنظمات الإسلامية في العام الماضي، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الإسلام التقليدي" بأنّه "جزء هام من التشكيلة الثقافية الروسية".