"عقد الكرامة" للتخفيف من بطالة تونس

"عقد الكرامة" للتخفيف من بطالة تونس

07 نوفمبر 2016
البرنامج يشمل خرّيجي الجامعات لعام 2015 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
ظلّ التشغيل في تونس من أبرز المشاكل وأبرز مواضيع الملفات الثقيلة التي توارثتها حكومات ما بعد الثورة، لا سيّما مع الفشل في الحدّ من حجم الظاهرة في ظل الأزمة الاقتصادية وانعدام الاستثمار وصعوبة خلق فرص عمل جديدة.

وقد استنهضت أزمة البطالة الشارع التونسي في مناسبات عدّة، حتى أنّ عشرات الشباب ما زالوا ينفذون اعتصاماً مفتوحاً منذ أكثر من سبعة أشهر أمام وزارة التكوين المهني والتشغيل، للضغط على السلطات المعنية بهدف تمكينهم من الشغل. كذلك طلبت هياكل عدّة مهتمة بملف العاطلين عن العمل، في أكثر من مرة، إطلاق صندوق البطالة لدعم هؤلاء، على أن يموّل من خلال اقتطاع دينار تونسي واحد (أقلّ من نصف دولار أميركي) من أجور الموظفين في القطاعَين العام والخاص، إلى جانب هبات خارجية. بذلك يمكن توفير منحة تقدّر مبدئياً بـ 300 دينار (135 دولاراً) شهرياً لـ 800 عاطل من العمل، إلى حين حصولهم على عمل مستقر. لكنّ الحكومات عجزت عن تمويل الصندوق.

وكان رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، قد أعلن عن جملة إجراءات لحلّ ملفات عالقة عدّة، بما في ذلك ملف البطالة. وتحدّث عن برنامج تشغيل ضمن "عقد الكرامة" الذي يستهدف 25 ألف عاطل عن العمل تجاوزت مدّة بطالتهم سنتَين بعد تاريخ تخرّجهم. يقضي ذلك بمنح أجر شهري لهؤلاء بقيمة 300 دولار، تدفع الدولة 200 دولار منها والمشغّل 100 دولار. ولاحقاً، يصار إلى دمج طالبي الشغل في سوق التشغيل وانتدابهم بصورة مباشرة وتمكينهم من الوصول إلى الاندماج في الهيكل الرسمي للمؤسسة.

إلى ذلك، كشف الشاهد عن إطلاق خمسة صناديق تمويل بقيمة 250 مليون دينار (112 مليوناً و525 ألف دولار)، تقدّم خدماتها إلى أصحاب المبادرة الخاصة، لإنجاز مشاريع صغرى وتمكينهم من تمويل تتراوح قيمته بين ثلاثة آلاف و12 ألف دولار، بحسب طبيعة المشروع. وأوضح أنّ الدولة سوف تضطلع بمهمتَي التمويل والإحاطة خلال مراحل تركيز المشاريع.

من جهته، أشار وزير التكوين المهني والتشغيل، عماد الحمامي، إلى أنّ انطلاق العمل بمنظومة "عقد الكرامة" سوف يكون خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017 المقبل. أضاف أنّ من شروط الانتفاع من هذا البرنامج هو أن يكون العاطل من العمل مسجّلاً في مكتب الشغل منذ سنتين. وأوضح الحمامي أنّ المرشّح للانتفاع من هذا البرنامج، سوف يحصل على تكوين (تدريب) لمدة ثلاثة أشهر سواء في اختصاصه أو في اختصاص مغاير لشهادته. بعدها، يحصل على شهادة في التكوين الذي أجراه، بهدف إدماجه في سوق الشغل.

أضاف الحمامي أنّ الأولوية هي كذلك لمن يصعب إدماجهم بسبب اختصاصاتهم وشهاداتهم الجامعية والمهنية، لافتاً إلى أنّ هذا البرنامج ليس لخرّيجي الجامعات فقط بل لخرّيجي التكوين وللذين لا يحملون شهادة له كذلك. وسوف يتلقّى خرّيجو التكوين المهني تكويناً داخل مؤسسة على مدى سنتَين، ليتدرّبوا على المهارات التي يفتقرون إليها، والتي هي في الأساس المهارات الحياتية والشخصية بالإضافة إلى توفير الجراية والتجربة المهنية والتغطية الاجتماعية.

قبل ثلاث سنوات، حصل سيف شافعي على شهادة تخرّجه من كلية الهندسة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "البرنامج سوف يمكّنني أخيراً من العمل حتى وإن بأجر بسيط. كذلك سوف يوفّر لي على أقلّ تقدير بعض المصاريف، إلى أن أُنتدَب وفق عقد قانوني يمكّنني من حقوقي المادية ومن تغطية اجتماعية وصحية".




ويشير إلى أنّ آلاف العاطلين عن العمل سوف يجدون فرصة بعد طول انتظار، لكنّه يتساءل عن مقاييس اختيار العاطلين عن العمل، وكيفية منح أولوية لأشخاص دون غيرهم، لا سيّما الذين تجاوزت فترة بطالتهم عشر سنوات. ويوضح شافعي أنّ "عدد خرّيجي التعليم العالي يقارب 300 ألف عاطل من العمل، لكنّ 25 ألفاً منهم فقط سوف يختارون، وهو عدد بسيط". يضيف أنّ "منح الأولويّة للعاطلين عن العمل منذ سنوات عدّة، سوف يجعل الآلاف الآخرين ينتظرون دورهم، وهو أمر لن يخفّف كثيراً من احتقان الشارع".

من جهة أخرى، ثمّة آراء تقول بأنّ العقد سوف يفتح الباب أمام الشركات لاستغلال العاطلين عن العمل. ويشير رئيس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، عبد الرحمن الهذيلي، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "هذا البرنامج لا يستطيع ضمانة حقوق الأشخاص الذين يتمتّعون بخدمات هذا العقد، لا سيّما وأنّ أصحاب الأعمال سوف يشغّلون عدداً من العاطلين عن العمل من دون تغطية اجتماعية". يضيف أنّه بذلك "قد يجد عدداً من أصحاب المؤسسات الفرصة مناسبة لاستغلال المنتفعين من هذا العقد، ليتنكروا من ثمّ لانتدابهم بحجج عدّة".

وفي الوقت، الذي أكّد فيه وزير التكوين المهني والتشغيل على أنّ هذا البرنامج هو للجميع، بمن فيهم خرّيجو الجامعات لعام 2015، وأنّ التوزيع سوف يكون عادلاً بين الجهات وتُساوى فرص بين العاطلين من العمل، يشير الهذيلي إلى أنّ "أبناء المناطق الداخلية والمناطق المهمّشة قد لا يجدون مؤسسات تستقطبهم في مدنهم، بسبب غياب التنمية والمشاريع في أغلب المناطق الداخلية. وهذا ما يدفعهم إلى البحث عن مؤسسات في العاصمة أو المدن الساحلية، التي تتوفّر فيها الشركات والمصانع".

المساهمون