شجرة الأمنيات تلونها أحلام سجينات في لبنان

شجرة الأمنيات تلونها أحلام سجينات في لبنان

08 ابريل 2017
أمنيات معلقة (العربي الجديد)
+ الخط -


تخط سجينات يقبعن في سجن طرابلس في شمال لبنان أمنياتهن على أوراق ملونة، ويعلقنها على شجرة وضعت لكي تكون متنفسا لهن، يعبرن من خلالها عن أحلامهن.

هو نوع من العلاج يجعل السجينة تحكي وتفكر بما تراه يستحق أن يكون حلما أو أمنية، وما أكثر أحلامهن المسجونة بصحبتهن خلف القضبان.

بدأت الفكرة عندما اعتمدت الأخصائية الاجتماعية المتدربة، هالة أحمد الجندي، أسلوب كتابة التمنيات مع مجموعة من سجينات سجن النساء في طرابلس، انطلاقا من مشروعها الذي أسمته "شجرة أهدافي". وأشارت لـ"العربي الجديد" إلى أن "المشروع انطلق مع نحو 20 سجينة، على أمل أن يتسع ليشمل باقي السجينات اللاتي يصل عددهن إلى نحو 100 سجينة".

وأوضحت الجندي أن "كتابة الأمنية لم تكن مهمة سهلة على السجينات، الأماني كثيرة ولكن أيها الأهم والتي تستحق أن تعلن"، لافتة إلى أن "بعض السجينات احتجن إلى مساعدة في الكتابة والتعبير، وبعضهن وضعن مسودات للأمنية سبقت صياغتها الأخيرة".

وأشارت إلى أن "الأغصان امتلأت بالأوراق الملونة التي تحمل آمال وأحلام نساء ساقتهن الظروف نحو مصير وإن كان مظلما، إلا أنه لا يخلو من ضوء في نهاية الدرب تسعى جميعهن للوصول إليه".

الأخصائية النفسية إيمان تقلا، التي تتابع السجينات في سجن "القبة" في طرابلس، أوضحت لـ"العربي الجديد" أن "الخيال والتمني هما من آليات الدفاع النفسي عند الإنسان، ومن وسائل مواجهة الضغوط النفسية، وهما بالنسبة للسجينات أيضا وسيلة للهروب من الواقع الأليم الذي يعشنه، يخففان من القلق والتوتر الذي يسيطر على كل سجينة ويمدها بشيء من التفاؤل والأمل".


سجن النساء في مدينة طرابلس شمال  لبنان (فيسبوك) 




وشددت تقلا على أهمية "تفريغ الأمنيات والتعبير عنها ضمن مجموعة، لأن المشاركة مع أفراد يحملون الهموم والمشاكل ذاتها، يخلق نوعا من التعاطف والتفهم لدى الآخرين"، معتبرة أن "هذا النوع من النشاط يبرز الصفات المشتركة لدى المستفيدات منه مثل التواصل الجيد مع الآخرين، والمصالحة مع الذات، والتوازن النفسي والعاطفي، والإيجابية في رؤية الأمور". لكنها لفتت إلى أن السجينات اللاتي ترددن في المشاركة وفي كتابة أمنياتهن، أو اللاتي رفضن الكتابة أصلا هن شخصيات انطوائية واكتئابية.

وأشارت تقلا إلى أن "كبت السجينات لمشاعرهن يزيد من معاناتهن مع ظروف السجن الصعبة، وعدم الإفصاح والتنفيس يرفع من حدة القلق والتوتر لديهن"، لافتة إلى حاجتهن الماسة للدعم النفسي والمساعدة من متخصصين. وبينت أن لدى السجينات عموما "سوء تقدير للذات، وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين، الشعور بعدم الأمان وبرفض الواقع، إضافة إلى عدم التوازن العاطفي والعلائقي، كما تتضح لديهن مشاعر الخوف والنقص والذنب والصدمة والاكتئاب".

ثكنة أنطوان عبيد التي تضم سجن النساء في طرابلس ا(فيسبوك) 


وعن الأمنيات أوضحت الأخصائية النفسية أنها "ارتبطت كلها على اختلافها بواقعهن الصعب، وهو وجودهن داخل السجن. كما حملت التمنيات الكثير من التفاؤل والأمل، ولا شك أنها خففت عنهم القليل من الضغط النفسي من خلال التعبير عن المشاعر والبوح بها ومشاركتها مع الآخرين".

وتابعت "من تمنت (الخروج قريبا والعودة إلى بلدي وإلى أمي)، عبّرت عن رفضها لواقعها، وظهر شعورها بالنقص العاطفي والغربة بعيدا عن وطنها وأمها. ومن كتبت (الخروج من هنا لأني مظلومة) عبّرت عن شعورها بالظلم لوجودها خلف القضبان، والتوق للخلاص من سجنها. أما أمنية (الخروج من السجن ولقاء ابني) فهو التعبير عن مدى شوقها لابنها الذي يمنعها سجنها من رؤيته كما تحب. وهكذا تتضمن كل أمنية من الأماني مجموعة من المشاعر فطلب الغفران يؤكد شعور صاحبة الأمنية بالذنب، وحاجتها للراحة من ذنب يؤرقها".

وتخبرنا في نهاية اللقاء بأن "المفاجأة التي أفرحت الجميع هي أن الغصن الذي حمل مشاعر السجينات وتمنياتهن أرسل إشارة أمل، إذ نبتت براعمه ودبت فيه الحياة، فاعتبرتها صاحبات الأمنيات بشرة خير".

والسجينات في سجن طرابلس لسن لبنانيات فقط، بل بينهن سوريات وأردنيات وعراقيات، وأخريات من الفيليبين وبنغلادش وسريلانكا أيضا، يجمعهن مكان لا يتسع لأعدادهن.

وحركة الدخول والخروج من السجن الذي يتسع لنحو 80 سجينة تتغير على الدوام، فالعدد يقل أو يزيد لكنه عندما يصل إلى حدود المائة سجينة، يفترش العدد الفائض منهن الأرض.



المساهمون