أطباء عرب ومهاجرون... عندما يستهدف كورونا مقاتليه في بريطانيا

أطباء عرب ومهاجرون... عندما يستهدف كورونا مقاتليه في بريطانيا

03 ابريل 2020
الخطر يترصّدهم في كلّ آن (Getty)
+ الخط -

لا يسلم الجسم الطبي من الوباء العالمي الماضي في تمدّده. قد نظنّ أنّ الأطباء والعاملين الصحيين، من مواقعهم، محميّون من المرض، غير أنّهم في الواقع من بين أكثر الفئات المعرّضة للإصابة، لا سيّما أنّ الفيروس جديد ومفاجآته كثيرة.

أيّام معدودة فقط فصلت بين الأطباء الأربعة الذين اختطفهم الموت من بين أهلهم وأحبائهم في بريطانيا. وهم الطبيبان السودانيان عادل الطيّار وأمجد الحوراني، والطبيب الباكستاني حبيب زيدي، والطبيب النيجيري ألفا سعدو. جميعهم أصيبوا بمرض "كوفيد - 19" الذي يتسبّب به فيروس كورونا الجديد، بعدما كانوا قد لبّوا نداء الواجب ووقفوا إلى جانب مرضى استهدفهم الفيروس. وفي لمح البصر، ودّعت البلاد أطباءها المتحدّرين من أصول مهاجرة.

"ترك والدي فجوة في قلوبنا، والخسارة شعر بها المجتمع الذي كرّس حياته كلها تقريباً في خدمته". بحرقة، تعبّر الطبيبة سارة زيدي عن حزنها لـ"العربي الجديد". هي فقدت والدها حبيب زيدي البالغ من العمر 76 عاماً والعامل في مجال الطبّ العام، على حين غفلة. فجسد زيدي لم يتحمّل الفيروس الجديد الذي يتسابق الخبراء حول العالم لإيجاد علاج ولقاح له. يُذكر أنّه توفي في 24 مارس/ آذار المنصرم، وذلك في غضون أربع وعشرين ساعة منذ دخوله إلى المستشفى.

في اليوم التالي، أي في 25 من الشهر المنصرم، وافت المنيّة الطبيب السوداني عادل الطيار البالغ من العمر 63 عاماً، وهو جرّاح متخصّص في زرع الأعضاء وكان يعمل في الصفوف الأمامية لمعالجة المصابين بالفيروس الجديد. يخبر نجله الطبيب عثمان الطيار "العربي الجديد" أنّ "والدي كان قد تقاعد قبل بضعة أشهر، لكنّه أراد أن يعود إلى ممارسة عمله. وراح يعالج المرضى في قسم الطوارئ. وفي يوم، عاد إلى المنزل وهو يشعر بإرهاق كبير، قبل أن ترتفع في اليوم التالي حرارته. ظننا بداية أنّها مجرّد إنفلونزا عادية، ولم نتوقّع أن يكون مصاباً بالفيروس. ومع استمرار الأعراض ليوم ثالث ثمّ رابع، لا سيّما شعوره بالألم وتعرّقه الدائم، اتّصلنا بقسم الطوارئ فنصحنا القائمون عليه بالبقاء في المنزل. في اليوم السادس، وجد صعوبة في التنفّس. فاتصلنا بهم مجدّداً قبل نقله إلى المستشفى. هناك أجروا له الاختبار اللازم الذي أكّد إصابته بالفيروس". ويشير الطيار إلى أنّ "والدي كان يتمتّع بصحة جيدة بشكل عام، لكنّه كان يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم وداء السكري من دون أن يؤثّر ذلك على حياته اليومية"، متابعاً "لا أعلم إذا كان إنقاذ والدي ممكناً لو أنّه وصل إلى المستشفى في وقت مبكر".

بدوره، يعبّر الطبيب ندي حكيم المتخصّص كذلك في زرع الأعضاء عن حزنه لفقدان عادل الطيار صديقه وزميله في العمل. فيقول لـ"العربي الجديد": "لقد عرفت عادل منذ أكثر من 20 عاماً. تدرّبنا معاً وعملنا معاً في مستشفى سانت ماري ومستشفى هامرسميث"، مضيفاً "وقبل ثلاثة أسابيع فقط، كنت لا أزال أعمل معه. ونحن خضنا مئات العمليات الجراحية معاً على مرّ السنين. وقد سافرنا إلى السودان حيث أجرينا سلسلة من عمليات زرع الأعضاء في الخرطوم". ويشير حكيم إلى أنّ "عادل كان رجلاً طيّباً ولطيفاً جداً، ووالداً رائعاً. إلى جانب ذلك، هو أكرم إنسان التقيته في حياتي على الإطلاق، كما هي الحال مع جميع السودانيين. هو كان يلبّي نداء الواجب دائماً وفي وقت قصير". ويؤكد حكيم أنّه "من المحزن جداً أن نخسره باكراً... ونحن بدأنا نفتقده بشدّة".



أمّا معز التنقاري، وهو صديق آخر لعادل الطيار، فيعجز عن تمالك دموعه التي تعكس مدى الحزن الذي يعتصر قلبه على الفراق. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحديث عن عادل الطيار، الطبيب الإنسان، لن يوفي الرجل حقّه وإن أسهبنا في الكلام. هو كان طبيباً متميّزاً. لكن فلنترك هذه الشهادة في الطب لزملائه". ويعود ليشدّد على أنّه "كان كذلك طبيباً إنساناً، وهذا أمر أُدركه تماماً مثلما يدركه كلّ من عرف عادل. كان أخاً ناصحاً وصديقاً مشغولاً بقضايا الناس. هو نذر نفسه وماله وكلّ إمكاناته لذلك. كان يبحث عن السودانيين في مستشفيات لندن التي عمل بها، ماداً يد المساعدة لتذليل ما قد يجابههم من عقبات. وهو لم يكن يتردّد في التنقّل في داخل البلاد أو خارجها للوقوف إلى جانب مريض. كان همّه السودان وحزيناً لحاله".

وفي 28 من الشهر المنصرم، كانت فاجعة ثالثة مع وفاة الطبيب أمجد الحوراني البالغ من العمر 55 عاماً، وهو متخصص في الأنف والأذن والحنجرة. والحوراني كان قد توجّه إلى المستشفى، وهو يقود سيارته بنفسه، بعدما شعر بتوعّك. لكنّ إصابته بالفيروس استدعت وصله بجهاز تنفّس صناعي، ليستمرّ الوضع على هذه الحال أسبوعَين قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهذه الوفاة صدمت والدته التي اضطرت إلى وداع ابن آخر لها، بعدما فقدت أخاه الطبيب أشرف قبل سنوات عدّة، فيما فارق الحياة زوجها الطبيب الاستشاري صلاح الحوراني قبل أقلّ من سنتَين. وقد جاء في بيان عائلة الحوراني أنّ "أمجد كان زوجاً محبوباً وابناً وأباً وأخاً وصديقاً... لقد كان صخرة عائلتنا". أمّا ابنه أشرف فيعبّر عن فخره الكبير كون أمجد الحوراني كان والده لمدّة 18 عاماً (سنيّ حياته).

من جهته، يقول السكرتير العام للجالية السودانية في منطقة بريستول، محمد شريف، لـ"العربي الجديد": "نحن أبناء الجالية السودانية نعدّ وفاة الدكتور أمجد الحوراني خسارة كبيرة لنا ولبريطانيا". يضيف: "هو شخص قدّم روحه فداء لمرضاه، وما زالت أسرته تجد صعوبة في استيعاب هذا الأمر. ولعلّ ما يصعّب الأمور أكثر، هي الظروف التي نعيشها حالياً بسبب كورونا والتي تمنعنا من المشاركة في العزاء كما يلزم. نحن عاجزون عن القيام بالواجب وفق الأصول، وهذا جزء من حزننا".

وقبل أيام قليلة، في 31 مارس/ آذار المنصرم، توفي الطبيب ألفا سعدو عن عمر يناهز 68 عاماً. هو كان مديراً طبياً لمستشفى الأميرة ألكسندرا في إسيكس وإيلينغ، علماً أنّه سبق أن عمل في عدد من مستشفيات العاصمة لندن. وقد تلقّت عائلته التعازي، بما في ذلك تعزية من قبل الرئيس السابق لمجلس الشيوخ النيجيري. وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قال ابنه داني إنّ والده حارب الفيروس لمدة أسبوعَين لكنّه "لم يعد في إمكانه القتال".



تجدر الإشارة إلى أنّ رسائل عزاء ودعم كثيرة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي يشكر فيها مدوّنوها الأطباء الذين فارقوا الحياة ويواسون عائلاتهم. كذلك، لفتت تلك الرسائل إلى أهمية ملاحظة خلفيات هؤلاء المهاجرة، في وقت تزداد فيه العنصرية وكراهية الأجانب والمهاجرين.

المساهمون