ثمانيني فرنسي يهاجم مسجداً في بايون والطبقة السياسية تندد

الطبقة السياسية تندد بمهاجمة ثمانيني فرنسي لمسجد في بايون

29 أكتوبر 2019
المسجد الذي تعرض لإطلاق النار (فرانس برس)
+ الخط -
قال زعيم "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون، إنّ ما جرى في فرنسا أمس الاثنين، من مهاجمة ثمانيني فرنسي لمسجد في مدينة "بايون"، في اعتداء انتهى إلى إصابة مسلمَيْن في السبعينيات من عمرهما، إصابات بالغة، يكشف أنّ "التحرش ضد المسلمين أنتج تأثيره"، داعيا في تغريدة له على "تويتر" إلى "وقف كل الخطابات العمومية التي تشجع على الكراهية".

واعتقلت الشرطة الفرنسية، أمس، المشتبه به، كلود سينكي (84 عاما)، وهو عضو ومرشح سابق في حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في انتخابات المقاطعات سنة 2015، ومتقاعد في التربية الوطنية.

الموقف الذي عبر عنه ميلانشون يقاسمه إياه كثير من مسلمي فرنسا، فأنور كبيبيش، الرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، اعتبر أن "ثلاثة أسابيع من نقاشات حادة ضد المسلمين أتت أُكْلَها".

وعلى الرغم من أن هذا الاعتداء لم يوصف بالإرهابي، إلا أن السلطات الأمنية الفرنسية كانت على علم بأفكار الرجل وتهديداته، التي أرسلها، في الأيام الأخيرة، إلى المدعي العام وكثير من المسؤولين يخبرهم بنيته تقديم شكوى ضد الرئيس ماكرون، دون أن يتم تفعيل "مجتمع اليقظة" الذي طالب به الرئيس الفرنسي أثناء تأبينه للشرطيين الأربعة الذين قضوا في اعتداء محافظة الشرطة بباريس، قبل أسابيع.

وكثير من الشهادات تتفق على أن الرجل الثمانيني، الذي ألَّف سنة 2014 كتابا يحمل عنوان "فرنسا بقلب مفتوح، أو نظرات على البؤس البشري"، لم يكن يخفي عداءه الشديد للأجانب والمسلمين، وهو ما جرّ عليه عزلة شديدة في مدينته.

وقد أكد بيان لتجمع "مسلمون"، فور انتشار نبأ الاعتداء: "إننا لا يمكن سوى أن نستنتج، بغضب، أن تطبيع الإسلاموفوبيا والخلط المتكرر والمتعَهَّد ما بين الإسلام والإرهاب، والمنابر المفتوحة أمام السجاليين الحقودين واتخاذ مواقف غير مسؤولة لبعض السياسيين كان من نتائجها نزع الطابع الإنساني عن المسلمين، هو الذي سمح بهذا النوع من الأعمال".

وشدد مرة أخرى، لمن يهمه الأمر، على أن "الإرهابيين لا يرتادون المساجد ولا البنى الطائفية ولا الأئمة"، وعلى أن "الإشارة إلى طائفة باعتبارها مسؤولة عن هذا الوباء الذي يضربها، هي أيضا، قد يتمخض عنه خطَرُ رؤية مجتمع يتفتت، ببطء، ثم ينتصب فيه فرنسيون ضد فرنسيين آخرين".

وفي ردود الفعل المنددة بالاعتداء على المسجد والمصلين، غرد بونوا هامون، رئيس حركة "أجيال" قائلا: "أشعر بحزن واسع بعد الاعتداء على مسجد بايون. تصعيد العنف مستمر، للأسف. ومن هو المنافق الذي سيصاب بالدهشة مما وقع، حين نرى موجة الإسلاموفوبيا الجديدة التي تضرب فرنسا"؟   

وإذا كان سكرتير الدولة في وزارة الداخلية لوران نونيز قد حضر إلى عين المكان، للتعبير عن تضامنه مع المسلمين الفرنسيين، ومع مبادرة وزير الداخلية كريستوف كاستانير للاتصال برئيس الجمعية التي تدير مسجد بايون، إضافة إلى اعتبار الرئيس ماكرون ما جرى "هجوما شنيعا"، إلا أن المعنيين بالأمر حاولوا التقليل مما جرى، سواء من خلال رفض أي علاقة بين الشحن الأيديولوجي والإعلامي المعادي للمسلمين، عبر الخلط المتعمد بين المسلمين وبين الإرهابيين، خلال ثلاثة أسابيع، أو من خلال إبراء الذمة من أي علاقة بين المهاجم وبين تنظيم سياسي رسمي، والمقصود هنا، "الجبهة الوطنية"، أي "التجمع الوطني"، حاليا.

فمارين لوبان رئيسة "التجمع الوطني" لم تجد في وصف الاعتداء سوى تعبير عن "عمل لا يمكن وصفه"، و"يتعارض، بشكل مطلق، مع كل القيم التي تحملها حركتنا". وشددت على أنه "لا يجب الخلط بين هذا الفرنسي المعتدي وبين عموم الفرنسيين"، "في الوقت الذي ترفض فيه تطبيق هذا الموقف، حين يتعلق الأمر بالتمييز بين المسلمين في عمومهم وبين أقلية إرهابية أو مقاتلة"، كما صرّح لوران جوفران مدير ليبراسيون، صباح اليوم، لقناة بي إف إم تيفي.

وإذا كان السياسيون الفرنسيون على العموم، وخاصة من اليمين، يحاولون إظهار نوع من التعاطف مع الضحايا، فهو نوع من الاستراحة واستعادة الأنفاس قبل معاودة هجماتهم المبرمَجَة، من جديد، على الجالية الإسلامية في فرنسا، كما هو مثال القيادي في "الجمهوريون" إيريك سيوتي، الذي غرّد مندّْداً بالاعتداء على المسجد، معتبرا أن من الصعب توصيف ما حدث.

وفي هذا الصدد يستعد مجلس الشيوخ، الذي يتحكم فيه اليمين، للتصويت عل مشروع قانون يحرم الأمهات المحجبات من مرافقة أبنائهن خارج المدارس، وكان في الأساس تعديلا رفض، في السابق، من قبل مجلس النواب، ويعود، الآن، على شكل مشروع قانون، عبّر حتى بعض نواب الأغلبية الرئاسية عن استعدادهم للتصويت لصالحه.

وحتى تضع اليمين أمام مسؤولياته في هذا الظرف العصيب، طالبت النائبة الاشتراكية، عن مارسيليا، في مجلس الشيوخ، سامية غالي، اليمين بالتراجع عن حرصه على تقديم مشروع القانون المثير للجدل، والذي عبر اليسار والإيكولوجيون عن رفضهم له، فكتبت مغردة: "من أجل جمهورية واحدة وغير قابلة للتجزؤ، ومن أجل تهدئة النفوس، وفي احترام للقيم التي تؤسس جمهوريتنا والعلمانية، وفي عقلية المسؤولية، أطالب من برونو ريتايو (رئيس فريق "الجمهوريون" في مجلس الشيوخ) واليمين سحب مشروع قانون حول الحجاب".


وفي ما يخص ردود المعنيين بالأمر، أي مسلمي فرنسا، فهم، كما يقول الشيخ عمي حسن، إمام مسجد "روني سو بوا"، في ضاحية باريس، ممزقون بين الخوف والقلق وبين المرارة من مواقف طبقة سياسية، يتداخل فيها اليمين واليسار، تلومهم على تدينهم ولا تتوقف عن لومهم ووصمهم، وهو ما شجَّع بعض المجانين، مثل كلود سينكي، على الانتقال إلى مرحلة تنفيذ الهجمات، التي ظل كثير منها لفظياً إلى حد الساعة. لكن إلى متى؟

وختم بأنه يثق في تعهدات رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون بحماية مواطنيه، وتقديم المسؤولين عن الاعتداءات أمام القضاء.