ستالين لم يعد مجرماً

ستالين لم يعد مجرماً

04 يونيو 2017
ترفع صورة ستالين (كيريل قدريافستيف/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور أكثر من 60 عاماً على رحيل القائد الثاني للاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين، تشير استطلاعات الرأي إلى استمرار تراجع عدد أولئك الذين يعتبرون قمعه جريمة سياسية، في مقابل ارتفاع من يشهد بدوره في النصر على الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945). ويرى رئيس "مجموعة الخبراء السياسيين"، قسطنطين كالاتشوف، أن تغيّر موقف الروس من الحقبة الستالينيّة يرتبط بحنينهم إلى وجود نظام، إضافة إلى تأثير الدعاية الحكوميّة.

ويقول كالاتشوف لـ "العربي الجديد" إنّ "الحنين إلى ستالين هو حنين إلى النظام والانتصارات ووحدة الفكر، إذ اتسمت الحقبة الستالينية بالالتزام ولم يكن هناك تفاوت مادي". يضيف: "ليس الجميع مستعداً للعيش في الظروف التي يجب أن تتّخذ فيها قراراتك بنفسك، أو أن يكون هناك أشخاص أوفر منك حظاً وأكثر مبادرة. كما أنّ الحرية بكافة أشكالها لا تثير إعجاب الجميع".
وحول تراجع الأحداث المتعلّقة بالقمع في أذهان الروس وزيادة الفخر بالنصر، يقول: "تتراجع ذكريات القمع إلى المشهد الخلفي، ويُمجّد النصر وستالين كأب له، وهذه الدعاية مستمرة منذ سنوات".

وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا"، ونشرت نتائجه قبل أيام، أن نسبة الروس الذين يعتبرون قمع ستالين بمثابة جريمة سياسيّة، انخفضت من 51 إلى 39 في المائة، بينما برّره ربع المستطلعة آراؤهم قائلين إنه كان "ضرورة سياسية". وأعرب 36 في المائة من المشاركين في الاستطلاع عن استعدادهم لتبرير وقوع ضحايا في الأرواح بسبب "النتائج التي تحقّقت خلال عهد ستالين"، في وقت رأى 26 في المائة فقط أن ستالين كان مجرماً. وبحسب نائب مدير مركز "ليفادا"، أليكسي غراجدانكين، فإنّ نسبة الانتقادات بحقّ ستالين بدأت تتراجع في عام 2014، نتيجة المشاكل مع الغرب، فأراد الروس قائداً حازماً.

ونقلت صحيفة "فيدوموستي" عن غراجدانكين قوله إنّ مواقف الروس حيال العهد السوفييتي كانت نقدية، عندما كانت روسيا تسير على طريق التقارب مع الغرب. لكن الابتعاد عنه أدى إلى زيادة تأييدهم للسلطات، وبالتالي، تراجع نقد ستالين. ويلفت إلى وجود تباين كبير في المواقف من ستالين، بين من تعرض أجدادهم للقمع وبين من نجت عائلاتهم. وترى الفئة الأولى أن القمع كان جريمة.



اعتقل جد ّإيرينا، وهي روسيّة في الستينات من عمرها، في ثلاثينيات القرن العشرين وتوفي في السجن. تقول لـ "العربي الجديد": "كان جدي مديراً لمكتبة في بلدة صغيرة، وكان من المثقفين وعشاق الأدب. قيل إنه شخص مسالم، إلا أنه اعتقل في منزله بشكل مفاجئ. لم يكن والديّ يتحدثان في هذا الموضوع كثيراً. أعلم فقط أنه توفي في السجن". بعد مرور عقود ورحيل ستالين والتنديد بجرائمه، تلقت أسرة إيرينا خطاباً تضمّن ردّ اعتبار لجدها.

تضيف إيرينا: "في عهد القمع، لم يكن الناس يربطون هذه الجرائم باسم ستالين بشكل مباشر، بل كان الجيل الأكبر يعتقد أن هذه الجرائم تصدر من محيطه الأمني والاستخباراتي، لكن بعد الكشف عن النطاق الكامل للقمع الستاليني، أدرك الجميع نطاق الإجرام الذي ساد في تلك الفترة".

عاش الاتحاد السوفييتي مأساة إبّان فترة حكم ستالين، التي شهدت قمعاً بلغ ذروته في عام 1937، وأثّر على ملايين الأشخاص. هؤلاء إما أعدموا أو أرسلوا إلى معسكرات العمل الإجباري، وشاركوا في أعمال بناء معظم المشاريع الضخمة. وكانت صحيفة "برافدا"، لسان حال الحزب الشيوعي السوفييتي، تستخدم في ذلك الوقت لفضح "أعداء الشعب"، وقد فبركت عدداً من القضايا، منها على سبيل المثال لا الحصر "قضية الأطباء" التي طاولت مجموعة من كبار الأطباء واتهمتهم بالتآمر لقتل قادة سوفييت. وطاول القمع والاعتقال العديد من الشخصيات العلمية والثقافية البارزة، من بينهم العالم والمصمم سيرغي كوروليوف، الذي أشرف على عملية إطلاق أول قمر صناعي وأول رحلة مأهولة إلى الفضاء بعد الإفراج عنه، ومصمم الطائرات أندريه توبوليف، وعدد من الأدباء والمثقفين.

بعد رحيل ستالين في عام 1953، وتولّي نيكيتا خروتشوف مقاليد السلطة في البلاد، كُتب للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في عام 1956، وهو أول مؤتمر ينظّم بعد وفاة ستالين، دخول التاريخ. وقدّم خروتشوف تقريراً ندّد فيه بعبادة الفرد وجرائم ستالين وديكتاتوريّته. أما الكشف عن النطاق الكامل للقمع الستاليني، فلم يبدأ إلّا في عهد "بيريسترويكا" التي أطلقها آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في النصف الثاني من الثمانينيّات.