غير مرئي

غير مرئي

14 أكتوبر 2016
كيفما كان وأينما كان وفي أي وقت كان(تيمور إيميك/Getty)
+ الخط -
كان أحدهم يسير في شوارع المدينة عائداً من عمله، والمارة يرمقونه كيفما تحرك. كان يشعر بالنظرات تراقبه من الخلف وهو يسير. يرصدون تحركاته وحذاءه وشعره، وقميصه، وهاتفه. دخل أحد المحلات، ولا تزال النظرات تلاحقه. لم يكن صاحب المحل خفيف الظل أو مهضوماً. بات يجر أطراف الحديث مع صديقنا، والأخير يشعر بالضيق ويتأفف ويفكرّ: لماذا لا يعطيني أغراضي وأنصرف فحسب؟

خرج من المحل، ووصل إلى البناء، ليجد مجموعة أولاد يلعبون في المدخل. مشى نحو المصعد، وبدأوا يتهامسون ويضحكون. وصل إلى شقته، ودخل.

خلع الملابس التي كان يرتديها، وأخذ حماماً بارداً. لبس ثياباً أخرى، وخرج. سار في نفس الشارع، بفاصل نصف ساعة تقريباً عن المرّة الأولى، ودخل نفس المحل، ولم يحصل شيء مما كان قد حصل سابقاً. لم يشعر أنه مراقب، أو حتى أنه موجود بالنسبة للآخرين. أخذ ما يريده من المحل، وخرج بأقل من نصف دقيقة وعاد إلى بيته. نظر إلى ثياب التنكّر التي كان يرتديها في المرّة الأولى، كامرأة، وأطلق شتيمة بحق المجتمع.

أكشن! انتهى التصوير. شكر الفريق هذا الشاب الذي وافق على المشاركة في تجربة اجتماعية مصوّرة مفادها معرفة كيف ولماذا تتعرض النساء إلى تمييز فصامي في المجتمع. هن أحياناً مرئيات أكثر من اللزوم في الحيّز العام، وفي أخرى غير مرئيات أبداً سواء في المنزل أو العمل.

كم هو شعور لذيذ أن تكون النساء غير مرئيات في الشارع أو الحيّز العام لناحية شكلهن وما يلبسن وكيف يمشين. لا أحد يبالي بالآخر، كيفما كان وأينما كان وفي أي وقت كان. تكمن المشكلة حين ينقلب المنطق، وتصبح النساء غير مرئيات - رغم وجودهن - في أماكن العمل أو في المنزل أو في الأحزاب أو غيرها من المجالات. هو تمييز نابع من مجتمع مفصوم يضع النساء تحت المجهر لأسباب تتعلق بجنسانيتهن ويخفيهن عنه حين يتعلق الأمر بقدراتهن أو مهاراتهن. ومن كثرة ما هو الأمر ممنهج، نكاد نشعر وكأنه صُمم ونفذ عن سابق إصرار، قد يكون نابعاً عن الخوف من جنسانية النساء. وإلا لماذا النساء اللواتي تجاوزن الخمسين، بحسب الكثير من التقارير والدراسات، يصبحن غير مرئيات في الحيّز العام أو الشارع، ولهن مكانة أكبر في الحيز العام أو أماكن العمل؟

هذه التجربة الاجتماعية بحاجة إلى من يقوم بتنفيذها بالفعل، كونها نسجت من الخيال. وحتى يتم ذلك، لا يزال صديقنا الذي شارك في تلك التجربة يفكّر كيف وعى على امتيازاته كرجل، وكيف يمكنه حمل الآخرين على عدم التصرف انطلاقاً منها.

*ناشطة نسوية

المساهمون