تخفيضات بتكاليف الموت في العراق

تخفيضات بتكاليف الموت في العراق

الدوحة
عثمان المختار (العربي الجديد)
عثمان المختار
صحافي عراقي متخصص بصحافة البيانات وتدقيق المعلومات. مدير مكتب "العربي الجديد" في العراق.
29 ديسمبر 2014
+ الخط -


لا يبدو هذا العنوان للوهلة الأولى حقيقيا أو قريبا حتى من الواقع، لكن في العراق كل شيء مباح في السلم والحرب والموت أيضا، حيث أعلن أحد أشهر مكاتب تجهيز القبور وتحضير الجنائز، عن تخفيضات وصفها بالممتازة، في أسعاره تصل إلى 50 في المائة، بسبب ما وصفه إكراما لذوي الضحايا وتفهما للحالة المادية وتأخر إقرار الموازنة والمرتبات أيضا.

ويقول حسين جواد 52 عاما صاحب مكتب "المثوى" المتخصص في حفر القبور وتحضير جنازات الموتى وإقامة الوضيمة (ولائم الطعام في مجالس العزاء) في مجالس العزاء ببغداد، لـ"العربي الجديد" إن الأسعار باتت مكلفة على العراقيين، فقد وصل سعر حفر القبر والتكفين إلى مليون دينار نحو 840 دولارا، وبما أن الموت في العراق أكثر القطاعات رواجا، وبسبب امتلاء المقابر واضطرار الناس إلى اللجوء للمكاتب كونهم أكثر معرفة بالأراضي البكر الصالحة للدفن من غيرهم".

ويضيف جواد، قررنا أن نعلن تخفيضات مراعاة لذوي الميت، فالناس خاصة الفقراء عندما تحصد السيارات المفخخة وهجمات داعش من جهة وجرائم مليشيات الحشد الشعبي من جهة أخرى أرواح المواطنين، فإن أول ما يتبادر في بالهم بعد الجزع والبكاء، كيف سأدبر ثمن الدفن والعزاء؟
مبينا أن الدوائر البلدية متخصصة بدفن أفراد القوات المسلحة والشرطة فقط، أما المواطنون فيبقون في الشوارع بانتظار ذويهم أو أهل الرحمة، مؤكدا أن أسعاره وصلت إلى النصف خلال التخفيضات الجديدة، رغم انزعاج المكاتب الأخرى.

وتقدر منظمات محلية ودولية وتقارير طبية عراقية مقتل وإصابة ما لا يقل عن 200 ألف عراقي خلال العام 2014، يشكل المدنيون منهم 60 في المائة.


وأثار إعلان التخفيضات بأسعار الموتى جدلا واسعا في الشارع، حول ما وصل إليه الوضع الأمني في العراق من انهيار، بشكل دفع إلى نشر مثل هكذا إعلان.

وقال المواطن سمير علي: "كل الأطراف تذبح بالعراق اليوم، لا أحد يعمر.. التحالف الدولي يقصف والجيش ومليشيا الحشد الشعبي تقتل وتخطف وداعش يذبح، والضحية المشترك بينهم هم سكان العراق الأصليون لا القادمون من خلف الحدود الذين صاروا حكاما اليوم".

مبينا أن الإعلان يكشف حقيقة أرقام الموتى اليومية المخيفة وعجز الحكومة على خفض عدد القتلى أو حتى تقنينهم بشكل لا يجعل الأزقة تستضيف أكثر من مجلسي عزاء باليوم الواحد.

ويقول رئيس منظمة السلام العراقية لحقوق الإنسان محمد علي القيسي لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الضحايا الذين قتلوا خلال العام 2014 كانوا على يد تنظيم داعش ومليشيات الحشد الشعبي ثم الجيش العراقي وسلاح الطيران وأخيرا التحالف، ولا من مستنكر وكأن الدماء التي تسيل ماء".

ويضيف: "اكتسب العراقيون من أجدادهم القدماء تقليد عدم ذكر اسم القبر أو الجثة أو الكفن في المنزل، وكانوا يتشاءمون من ذلك، ويمكن معرفة مدى الحال الذي وصلنا إليها عندما يكون هناك عريض (إعلان) في الشارع يتحدث عن تنزيلات أو تخفيضات، وقد نراه مستقبلا في التلفزيون والصحف.

مطالبا العراقيين "بالاعتماد على أنفسهم وتعلم الحرفة (حفر القبور) تجنبا لتأجير تجار الحرب"، في إشارة إلى مكاتب ومتعهدين التزموا بعمل الحانوتي وصار مصدر دخل ممتاز لهم، يعدل ما يجنيه تجار حفلات الأعراس والموالد.

دلالات