داليا "بطلة" تحلم بنهاية سعيدة

داليا "بطلة" تحلم بنهاية سعيدة

15 سبتمبر 2018
بعد أيام على إصابتها (محمد الحجار)
+ الخط -
داليا، الطفلة الغزية التي تعرضت لإصابات كثيرة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، تحلم بأن تصير طبيبة لانقاذ أطفال العالم

كان الأوّل من أغسطس/ آب خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014، يوماً قاسياً لدى عائلة خليفة القاطنة في حي الزيتون شرق مدينة غزة، بعدما أصيب جميع أفراد الأسرة التسعة نتيجة القصف العشوائي. وكانت إصابة كل من ريماس (5 سنوات) وداليا (9 سنوات) الأخطر في ذلك الوقت. وكان لإصابات داليا وقع أكبر وقد صدمت صورتها الجميع.

التقط المصوّر الغزي محمد أسعد صورة لداليا بعد تسعة أيام من إصابتها، خلال وجودها في مستشفى الشفاء. على الرغم من إصابتها البليغة، كانت ابتسامة بريئة تعلو وجهها. صورتها وصلت إلى العالم، واحتلت أغلفة بعض المجلات العالمية، وحصلت على الجائزة الكبرى في مسابقة "روح الإنسانية" التي نظّمها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

إصابة داليا تحوّلت إلى تحدٍّ في حياتها وحياة أسرتها، التي ما زالت تعالجها من الشظايا المتبقية في يديها وصدرها، بالإضافة إلى بعض التشوهات في وجهها. تحرص داليا (13 عاماً) على الحفاظ على تفوقها في المدرسة، وخصوصاً أنها تنوي دراسة الطب والتخصص في الجراحة، علّها تتمكن من علاج الأطفال الذين عانوا أو سيعانون من تشوّهات مثلها.

مع والدتها (محمد الحجار) 


تذكر والدة داليا عائشة محمد خليفة (49 عاماً) ذلك اليوم. كان جميع أفراد الأسرة نائمين. وعند الساعة الرابعة صباحاً، لاحظت نوراً أحمر أنار المنطقة بالكامل. ثمّ سمعت قصفاً على مقربة من المنزل. "ركضت وزوجي لجلب الأطفال من الطابق السفلي، لكن القذائف كانت أسرع منا".

أصيب جميع أفراد أسرة خليفة بشظايا القذائف. كانت إصابة ريماس في جمجمة الرأس، ما سبب لها ضعفاً في العضلات والأعصاب، ثم عانت من شلل نصفي وتلقت علاجاً في تركيا لمدة ثلاثة أشهر. أما داليا، فأصيبت في وجهها وصدرها وظهرها ويديها.



خلال القصف العشوائي، أغمضت داليا عينيها وكأنّها أصيبت بحالة إغماء. تتابع الأم: "خلال القصف، كنّا نصرخ وننتظر قدوم الإسعاف. في تلك اللحظات، أسعف ريماس وداليا جارنا الممرض محمد الهواري. وبعد ساعة، وصلت سيارة إسعاف، إذ إن الوصول إلى المنطقة كان خطراً، ونقلت ثلاثة أطفال مصابين إلى المستشفى ثم عادت بعد نصف ساعة لنقل الآخرين".
تابع الطبيب الجراح محمد أبو سمرة حالة داليا، واعتبرها إحدى أصعب الحالات التي شهدها طوال العدوان المتكرر على القطاع، خصوصاً أنها طفلة. تضيف الأم: "حتى اليوم، ما زالت تعاني من الشظايا في يديها ووجهها. كانت تتناول مضادات حيوية حتى لا يتسمم جسمها، وقد تلقت علاجات عدة، منها مراهم للوجه، والعسل الطبيعي، بالإضافة إلى أغذية مناسبة للبشرة. وما زالت تعاني من تشوه في وجهها".

كانت صغيرة جداً (محمد الحجار) 


والد داليا يعمل ميكانيكي سيارات وأوضاع العائلة الاقتصادية ليست في أفضل حال. والطفلة ما زالت تعاني من صدمة نفسية. حين تسمع صوت قصف إسرائيلي أو ترى طائرات في الجو، تشعر بالخوف وتعاني من التبول اللاإرادي. العلاج النفسي الذي خضع له بعض سكان الحي بعد العدوان الإسرائيلي الأخير لم يساعدها كثيراً. لذلك، تفكّر الأم في مناشدة إحدى المؤسسات الدولية التي تضم معالجين نفسيين، عسى أن تتحسّن حالتها.

تأمل داليا في أن تتمكن من دراسة الطب، وتعالج الأطفال الذين عانوا مثلها أو سيعانون نتيجة الحروب المستمرة على قطاع غزة. وقد أحبت هذه المهنة أكثر فأكثر بفعل المعاملة الحسنة والإنسانية من الطبيب محمد أبو سمرة. تقول إنها تشعر بالحزن عندما ترى أطفالاً يعانون من التشوه في وجهوهم، نتيجة الحروب في كل من اليمن وسورية وبعض الدول الأفريقية.
وتقول داليا لـ "العربي الجديد": "أطفال غزة محاصرون ويعانون بفعل الاحتلال. لكنّ أطفالاً آخرين لا يعيشون ظروفاً مماثلة. لا أريد أن تعيش غزة حرباً مرة أخرى، ولا أريد ان أسمع أطفالاً يبكون على غرار ما حدث معي أنا وأشقائي".

الابتسامة لا تفارق وجهها (محمد الحجار)

تتابع داليا أفلام الكرتون العالمية المدبلجة للعربية، مثل "أحلام هبة" و"أحلام شمس"، وتحبّ مسلسل "سالي" الذي يحكي قصة طفلة فقدت والدها وصارت تعمل في مجال التنظيف في المدرسة التي كانت تلميذة فيها. كانت تحلم أن تكون مدرسة، لكن خبر وفاة والدها أثر على مجرى حياتها وتحولت إلى خادمة. وعندما اكتشفت أن والدها حي، عادت لتكمل حلمها وسامحت من أخطأ في حقها وعاملها معاملة سيئة. تضيف: "أحب متابعة أفلام الكرتون التي تتحدث عن فتيات واجهن ظروفاً صعبة، لأنني أشعر بأننا نتشابه. والبطلات في القصص يتمتعن بنهاية سعيدة. وأنا سأكون سعيدة عندما أكبر وأصير طبيبة وأعالج الأطفال وينتهي احتلال فلسطين".