فتيات اليمن... تمييز وحرمان تضاعفهما الحرب

فتيات اليمن... تمييز وحرمان تضاعفهما الحرب

11 أكتوبر 2019
يتوجّب عليهما رعي الماشية كلّ صباح (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

التمييز ضدّ المرأة في اليمن يبدأ في سنّ مبكرة، فتعاني الفتيات تبعاته منذ نعومة أظافرهنّ. هؤلاء يُمنعنَ من الاستمتاع بطفولتهنّ كما الفتيان، ويُحرَمنَ من أساسيات كثيرة من قبيل التعليم وحريّة الاختيار وإبداء الرأي وغير ذلك.

يحتفل العالم اليوم، الجمعة 11 أكتوبر/ تشرين الأول، للعام الثامن على التوالي، باليوم العالمي للفتاة الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2011، تحت شعار "قوة الفتاة بوصفها قوة عفوية وكاسحة". يأتي ذلك في حين أنّ فتيات اليمن بمعظمهنّ يعشنَ أوضاعاً مأساوية على خلفية العادات والتقاليد والقيود المفروضة عليهنّ، بالإضافة إلى الحرب المتواصلة في البلاد منذ أكثر من أربعة أعوام.

هناء (16 عاماً) فتاة يمنية من صنعاء، حُرمت من استكمال تعليمها الثانوي بقرار من والدها على الرغم من تفوّقها في كل مراحل التعليم الأساسي، والسبب هو التفرّغ لتعلّم تدبير شؤون المنزل من والدتها قبل زواجها. تخبر هناء "العربي الجديد": "توسّلت إلى والدي كثيراً حتى يتراجع عن قراره، لكن من دون جدوى، مبرراً رفضه بعدم احتياجي للدراسة. بالنسبة إليه سوف أتزوّج عاجلاً أم آجلا وأصير ربّة منزل ولن أستفيد من تعليمي شيئاً". تضيف: "كلما أتذكّر أنّني لن أتمكّن من الدراسة الثانوية ولا الجامعية وتحقيق حلمي الذي يراودني منذ الطفولة، أشعر باليأس والإحباط، لا سيّما عندما أرى والدي وهو يعمل جاهداً لتهيئة الظروف المناسبة لتعليم أخي، وذلك في تمييز واضح ما بين الذكور والإناث". وتلفت هناء إلى أنّها تُمنَع من الخروج من المنزل "إلا بإذن، وأحياناً لا يُسمَح لي بذلك وحدي، بخلاف إخوتي الذكور الذين لا يحتاجون إلى أيّ إذن للخروج في أيّ وقت يريدون".

صفاء (17 عاماً) من إحدى قرى محافظة المحويت، غربي البلاد، تصف الفتيات في قريتها بـ"المظلومات". وتقول لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد، يتعامل والداي مع إخوتي الفتيان بطريقة تختلف عن معاملتهما لي ولبقية أخواتي الفتيات. فالأولوية دائماً هي للإخوة الذكور في المصروف والملبس والمأكل والتعليم، وهو أمر يؤثّر سلباً عليّ منذ أعوام طويلة". تضيف أنّ "المجتمع اليمني مجتمع ذكوري بمعظمه وهو لا يعترف بحقوق المرأة إلا في وسائل الإعلام"، مشيرة إلى أنّ "الآباء في قريتي يهتمون بالأبناء الذكور بشكل كبير جداً فيما لا تُمنَح البنات نصف ذلك الاهتمام من أيّ جانب كان". وتتابع صفاء: "أصرّ عمّي الذي يعيش في صنعاء على والدي حتى أكمل تعليمي، ولولاه لكنت صرت واحدة من فتيات القرية الكثيرات اللواتي هنّ بلا تعليم وينتظرنَ نصيبهنّ في الزواج". وترى صفاء أنّ "الدولة معنيّة بشكل رئيسي بتغيير السلوكيات الخاطئة التي لا تمتّ للدين الإسلامي بصلة، وفق ما يدّعون. ومن الممكن ملاحظة التمييز بين الجنسَين المنتشر بشكل لافت في مختلف مناطق البلاد، وقد ازداد في خلال أعوام الحرب الأخيرة، في ظلّ غياب الدولة. وهو ما أدّى إلى تفاقم معاناة الفتيات، خصوصاً أنّهنّ لا يملكنَ حقّ الاعتراض على أيّ شيء". وتلفت صفاء إلى أنّ ثمّة منظمة دولية في مدينة المحويت (مركز المحافظة) تقدّم الدعم للفتيات المعنّفات، غير أنّ أهاليهنّ يمنعونهنّ غالباً من التوجّه إلى هناك.

هل يُمنعنَ قريباً من استكمال تعليمهنّ؟ (محمد حمود/ Getty)

تتضاعف معاناة الإناث في المناطق الريفية والنائية باليمن، من جرّاء التمييز الكبير الحاصل بينهنّ وبين الذكور، فيستوجب الأمر أن يطعنَ الأوامر دائماً من دون أيّ اعتراض. وتقول في هذا الإطار الناشطة هيفاء عزي لـ"العربي الجديد" إنّ "الفتيات اللواتي يقطنّ في الأرياف يعانينَ ظروفاً إنسانية بالغة السوء. فالعادات والتقاليد التي ترسّخ تبعية المرأة للرجل منذ الصغر تسبّبت في التمييز وعدم مساواتهنّ لجهة الحقوق مع الفتيان". تضيف عزي أنّ "حقوق الفتيات في اليمن مصادرة عموماً، غير أنّ فتيات الأرياف يتعرّضنَ لانتهاكات بوتيرة يومية. ويتوجّب عليهنّ القيام بأعمال شاقة منذ الصباح الباكر، من قبيل رعي المواشي والزراعة وجلب المياه من مناطق بعيدة، إلى جانب حرمانهنّ من مواصلة تعليمهنّ، وإجبارهنّ كذلك على الزواج وهنّ في سنّ صغيرة من رجال لا يرغبنَ فيهم". وتؤكد عزي أنّ "الفتيات يتعرّضنَ إلى التعنيف من قبل أهاليهنّ وأزواجهنّ بشكل شبه متواصل، ولا يستطعنَ الإفصاح عن ذلك احتراماً للعادات والتقاليد". وتلفت عزي إلى أنّ "الفتيات في اليمن يتطلّعنَ إلى المساوة مع الفتيان في الحقّ في التعليم وكذلك العمل وتنمية المواهب والحصول على مناصب قيادية في الدولة"، مطالبة "المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني في اليمن بالضغط على الحكومة اليمنية من أجل سنّ قوانين لحماية الفتيات والنساء من تسلّط الرجال الذي تزايد أخيراً".

في السياق، تؤكّد المتخصصة الاجتماعية ابتسام الصبري لـ"العربي الجديد" أنّ "آثار التمييز بحسب النوع بين الأبناء تكون سلبيّة عليهم مستقبلاً، وتولّد عقداً نفسية واجتماعية كثيرة يصعب تجاوزها. فالفتاة تنشأ على السمع والطاعة والضعف، في حين ينشأ الفتى على القوة والتسلط على شقيقاته". تضيف الصبري أنّ "العادات والتقاليد اليمنية تسلب حقوق الفتيات بغير وجه حق، وتولّد لديهنّ شعوراً بالظلم يزيد مع مرور الوقت ليصير كرهاً ضدّ الفتيان، وهذا أمر خطير جداً".




أمّا المديرة السابقة لمركز النوع الاجتماعي، الدكتورة سعاد السبع، فترى أنّ "التمييز بحسب النوع الاجتماعي يبدأ مبكراً في اليمن، إذ إنّ الأب وكذلك الأمّ يفرضان على الفتاة منذ الصغر خدمة أخيها حتى لو كان يصغرها في السنّ، من دون السماح لها بإبداء أيّ احتجاج". وتوضح السبع لـ"العربي الجديد" أنّ "الفتيات في اليمن يعانينَ من التمييز والحرمان من حقوقهنّ المتاحة للفتيان حصراً في مختلف الجوانب المعيشية والحياتية. مثلاً، لا يحقّ للفتاة مستقبلاً اختيار شريك حياتها المناسب للزواج به، ولا تستطيع ارتداء الملابس التي ترغب فيها بحرية، وتُحرَم في أوقات كثيرة من ميراثها". تضيف السبع أنّ "الآباء بمعظمهم، خصوصاً غير المتعلّمين منهم، لا يسمحون للفتيات بمناقشة أيّ مواضيع قد يناقشها الفتيان بصرف النظر عن أهميتها، لأنّ العادات والتقاليد في المجتمع اليمني تمنع ذلك". وتؤكد السبع أنّ "التمييز بحسب النوع الاجتماعي يقلّ في أوساط الأسر المتعلمة، إذ إنّ الفتيات يُمنحنَ امتيازات تشبه إلى حدّ ما تلك الممنوحة للفتيان"، مشدّدة على "أهميّة العمل على سنّ قوانين تمنع الممارسات الظالمة في حقّ الفتيات".

المساهمون