رسبتُ مرتين!

رسبتُ مرتين!

08 يونيو 2015
كنت أنظر إلى الأسئلة.. أتعرّق كثيراً (Getty)
+ الخط -

أوّل مرة دخلت لامتحانات شهادة البروفيه كانت رعباً خالصاً. ذهبت إلى الامتحان كأنني ذاهب إلى معركة. كان ذلك في السنوات الأولى التي تلت انتهاء الحرب الأهلية، التي كان التلاميذ يحصلون خلالها على إفادات لتعذّر إجراء الامتحانات على جميع الأراضي اللبنانية.

أكره الامتحانات على أنواعها. أي نشاط عاديّ تضاف إليه كلمة "امتحان" سأكون أول الراسبين فيه. في المسابقات المدرسية سأرتبك دائماً، في امتحان القيادة سأحيد عن الخط الأبيض الذي يُمنع تجاوزه، وفي مباراة كرة القدم سأتلقّى الهدف وسيخسر فريقي مهما بذل من مجهود.

كان المراقبون في القاعات مثل ضباط الأمن في البلدان الديكتاتورية. نظراتهم قاسية، لئيمة، لا يضحكون لـ"رغيف السخن". وكان التلاميذ بالنسبة إليهم مثل سجناء الرأي السياسي. بمعنىً آخر: كان ممنوعاً أن نتنفّس.

وجدت نفسي في غرفة لوحدي مع تلاميذ لا أعرفهم (وقد تكرّر دائماً أن يصادف حظي منفرداً مع تلاميذ غرباء خلال الامتحانات الرسمية). كان عالماً جديداً. تلهّيت باكتشافه وتأمّله أكثر ممّا تفرّغت للمسابقة التي كانت أمامي.

كنت أنظر إلى الأسئلة ولا أتذكّر معظم الإجابات بسبب التعصيب الذي أصابني. أتعرّق كثيراً. أنظر من حولي فأجد التلاميذ غارقين في الكتابة. يملأون الصفحات. ما هذا السّباق الذي وضعتَني فيه يا الله؟ ألم يكن من الأسهل أن تستمر الحرب فنحصل على إفادات مثلنا مثل باقي البشر؟

اجتهدتُ في المواد الأدبية و"اخترعت" في العلمية، لكن اختراعاتي لم تكن لتجد قيمتها الحقيقية لدى المصحّحين، فرسبت.

انقلب العالم وتغيّرت الدنيا. تزحزحت القارات. انهارت الأحلام. ووقع الإحباط.
لم تنفع دعوات أمي في يوم النتيجة. كانت ثلاث علامات ونصف تلك التي أحتاجها للنفاذ من المقصلة. لكنها لم تأتِ. فوقع "العار".

كثر المنظّرون. هذا قال شيئاً وتلك قالت أشياء. صار الجميع خبراء في التربية والتعليم والامتحانات. حتى جارتنا التي بالكاد تقرأ فاتورة الكهرباء أعطتني نصائح في كيفيّة الدرس للنجاح في الدورة الثانية.

لكنني صمّمت وفتحت الكتب من جديد وانغمست فيها. صراحة، لم أنغمس كثيراً. كنت أطرحها جانباً معظم الوقت لأقرأ القصص والروايات التي ما زالت المفضّلة لديّ. طالما أن الفشل جاء على بضع علامات، فمعنى ذلك أنني لا أحتاج إلى كثير من الدرس. هكذا جزمت.

وفي الدورة الثانية صرت أكثر خبرة. لكنني رسبت مجدداً.

احتاج الأمر عاماً كاملاً آخر من حياتي كي أتمكّن من العبور إلى المرحلة الثانوية التي كانت استراحة قبل أن أصل إلى امتحان آخر أكثر خطورة: البكالوريا.

لكن البكالوريا قصّة أخرى.

المساهمون