زيادة الأعمار هاجس روسيا

زيادة الأعمار هاجس روسيا

21 يوليو 2019
النساء يعشن سنوات أكثر من الرجال (أنتون نوفوديريزكين/ Getty)
+ الخط -
على الرغم من إعلان وزارة الصحة الروسية مؤخراً عن تسجيل متوسط العمر المتوقع في البلاد رقماً قياسياً جديداً، بواقع 73 عاماً تقريباً في عام 2018، فإنّ روسيا ما زالت تواجه تحدي تحقيق خطتها الطموحة للوصول إلى معدل 78 عاماً، بحلول عام 2024، و80 عاماً في سنة 2030.

ويواصل متوسط العمر المتوقع (أمل الحياة عند الولادة) في روسيا ارتفاعه بوتيرة عالية منذ عام 2006، وذلك بزيادة قدرها ستة أشهر تقريباً في المتوسط سنوياً، وسبعة أشهر للرجال، متجاوزاً متوسط المعدلات العالمية في عام 2017. مع ذلك، يوضح الباحث المستقل في الديموغرافيا (علم السكان)، أليكسي راكشا، أنّ تحقيق الزيادة المرجوة في العمر المتوقع لن يكون واقعياً إلاّ بالارتقاء بمنظومة الرعاية الصحية على نحو كيفي، وتشديد سياسات مكافحة الكحول الذي يقضي على مئات آلاف الأشخاص في روسيا سنوياً. يقول راكشا، في حديثه إلى "العربي الجديد": "الوصول إلى متوسط العمر المتوقع 78 عاماً بحلول عام 2024 مهمة مستحيلة، ما لم يجر تشديد سياسات تداول الكحول بصورة غير مسبوقة، لا سيما في ما يتعلق بالمشروبات القوية، وذلك عن طريق زيادة رسوم تراخيص إنتاجها. وفي حال تجنب جميع الوفيات الناجمة عن تناول المشروبات الروحية القوية، سيكون متوسط الأعمار قد ازداد 2.7 عامين في المجمل وأربعة أعوام بين الرجال. لكن، لم يسبق لأيّ بلد في هذه المرحلة من متوسط الأعمار، تحقيق زيادة إضافية بهذه الوتيرة".




يعتبر الإفراط في تناول الكحول، بتداعياته المباشرة وغير المباشرة، من الأسباب الرئيسة للوفيات المبكرة في روسيا، لا سيما بين الرجال، والتي بلغ عددها نحو 300 ألف في عام 2018. مع ذلك، يشهد عدد الوفيات بسبب اتباع تناول الكحول كنمط للحياة، تراجعاً تدريجياً، إذ تشير تقديرات منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين الحالي، إلى نصف مليون وفاة سنوياً. يضرب راكشا مثالاً على فاعلية إجراءات مكافحة الكحول لزيادة الأعمار: "حملة مكافحة الكحول التي أطلقها آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أدت إلى انخفاض عدد الوفيات بمقدار 200 ألف سنوياً، فارتفع العمر المتوقع من 67.4 عاماً إلى 70 عاماً في سنوات قليلة".

حول العوامل الأخرى المساعدة في زيادة العمر المتوقع، عدا عن الحدّ من تناول الكحول، يضيف: "منذ نهاية العقد الماضي، باتت وتيرة نمو العمر المتوقع تفوق وتيرة تراجع الوفيات من جراء تناول الكحول، لا سيما بين النساء. حدث ذلك نتيجة للبداية المتأخرة للثورة في مجال علاج أمراض القلب والأوعية الدموية، وما ترتب عليها من تراجع الوفيات في الفئات العمرية المتوسطة والكبيرة من جراء أمراض القلب والأوعية. كذلك، كان هناك دور هام للانتشار الواسع للجراحة الطفيفة (من قبيل عمليات المنظار) وتطوير التشخيص وزيادة فاعلية علاج أغلب أنواع السرطان".

مع ذلك، يشير الباحث الروسي إلى أنّ متوسط العمر المتوقع للروس ما زال أقل منه في دول ذات مستوى معيشة مماثل بنحو خمس سنوات، وخلص إلى أنّ سيناريو الزيادة السريعة للأعمار لا يقتضي تشديد سياسة مكافحة الكحول والتبغ فحسب، إنّما أيضاً فرض رسوم على منتجات تحتوي على السكر والملح والدهون غير المشبعة والحيوانية، وكذلك الارتقاء بمنظومة الرعاية الصحية وزيادة تمويل جراحة القلب والأوعية والوقاية من أمراضها، واعتناء المواطنين بصحتهم وإجراء فحوص دورية، والامتناع عن التدخين وتناول الكحول بقرارهم الشخصي.

بعد تنصيبه لولاية رئاسية جديدة مدتها ست سنوات قبل أكثر من عام، وقّع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على مرسوم "الأهداف القومية والمهام الاستراتيجية لتنمية روسيا الاتحادية حتى عام 2024"، والذي يقتضي رفع متوسط العمر المتوقع إلى 78 و80 عاما، بحلول عامي 2024 و2030 على التوالي. وفي معرض تعليقها على هذا المرسوم، اعتبرت وزيرة الصحة الروسية، فيرونيكا سكفورتسوفا، أنّ تحقيق الأهداف أمر واقعي، لكنّه مشروط بمجموعة من التدابير مثل الوقاية وإتباع السكان نمطا صحيا للحياة، على أن يجري زرع مثل هذه الثقافة بدءاً من مراحل رياض الأطفال والمدارس، وصولاً إلى المعاهد والجامعات.




وبعد مرور عام على ولاية بوتين الجديدة، حذّر خبراء الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة، من عدم تركيز المشروع الوطني للرعاية الصحية على تقليص الفجوة بين العمر المتوقع للرجال (68 عاماً تقريباً) والنساء (نحو 78 عاماً)، فهذه الفجوة التي تمتد عشر سنوات تعتبر من أعلى الفجوات العمرية بين الجنسين في أوروبا.