تلاميذ ليبيا يواجهون الأزمات

تلاميذ ليبيا يواجهون الأزمات

29 ديسمبر 2019
حالفهم الحظّ وعادوا إلى مقاعدهم الدراسية (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

بعد الإعلان عن إنهاء اعتصامات المدرّسين في ليبيا وإضرابهم العام، الأمر الذي تسبّب في تأخّر انطلاق العام الدراسي وتضرّر التلاميذ، يبدو أنّ معاناة الأخيرين لم تنتهِ بعد. فاليوم، ما زالت مدراس المناطق التي شهدت حرباً في الأعوام الماضية، بمعظمها، غير قادرة على استقبال تلاميذها لأسباب عدّة.

ومع استمرار الاقتتال عند محاور واقعة في جنوب طرابلس، أعلنت بلديتا عين زارة وأبو سليم عن وقف الدراسة في المؤسسات التربوية بهما نتيجة ذلك الاقتتال القريب من أحياء البلديتَين وتزايد سقوط القذائف العشوائية عليهما. وتشير تقديرات وزارة التعليم في حكومة الوفاق الوطني في ليبيا إلى غلق ما يزيد عن 100 مدرسة في مناطق جنوب طرابلس، لكنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أعلنت قبل أيام عن تزايد عدد التلاميذ المحرومين من الدراسة بسبب غلق مدارس جديدة. وقد أعلنت "يونيسف" أنّ الاشتباكات المحتدمة في طرابلس تسبّبت في إغلاق عشر مدارس جديدة في أبو سليم وعين زارة، ما جعل عدد المحرومين من الدراسة يصل إلى أربعة آلاف تلميذ. والمنظمة، التي أكّدت أنّ تهديد المدارس جريمة حرب يعاقب عليها القانون الإنساني، طالبت أطراف الصراع بإبعاد المؤسسات التعليمية عن دائرة الحرب.

وفي ما يتعلق بتضرر المدارس من جرّاء الحرب، أقرّت مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية في وزارة التعليم بحكومة مجلس النواب، شرقي البلاد، بأنّ أكثر من 30 مدرسة متضرّرة في بنغازي و17 في درنة ما زالت غير قادرة على استقبال التلاميذ. أمّا مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية في وزارة التعليم بحكومة الوفاق الوطني، فأشارت إلى تناقص عدد المدارس المتضررة بسبب الحروب في غرب البلاد إلى نحو النصف، وذلك بعدما كان العدد قد تخطّى 100 مدرسة.

في السياق، يقول حسين درباش، وهو مهندس في مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية بحكومة الوفاق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حجم الأضرار في المدارس حالياً وعدد المتضرر منها غير معلومَين اليوم، بسبب الحرب القائمة في جنوب طرابلس، فمناطق جنوب العاصمة ما زالت بمعظمها ساحات حرب، بالتالي لا يمكن للجهات الحكومية أن تحصر الأضرار".

تجدر الإشارة إلى أنّه في ترهونة الواقعة جنوب شرق طرابلس، والتي وصل عدد النازحين إليها من مناطق جنوب طرابلس إلى نحو أربعة آلاف أسرة، فإنّ مدرسة أبي ذر الغفاري تستقبل لوحدها ضعفَي قدرتها الاستيعابية. وقد أفاد المجلس البلدي للمدينة على صحفته الرسمية بأنّ مكتب التعليم بالبلدية عقد اجتماعات عدّة لدراسة المشاكل التي تعانيها المدارس في البلدية، ومن بينها "الازدحام وقلة الإمكانيات"، لكنّ تلك الاجتماعات شدّدت في نهايتها على ضرورة استمرار قبول التلاميذ في المدارس المكتظة.




ويؤكد درباش أنّ "المدارس بمعظمها تعاني نتيجة الاكتظاظ، غير أنّ ثمّة مشكلة إضافية تتمثّل في قلة الإمكانيات، فثمّة غرف صفوف تشكو من نقص كبير في مقاعد التلاميذ، ما يجبر بعضهم على تلقّي الدروس وقوفاً أو الجلوس بالتناوب". ويشير إلى "خطط في السياق تضغط من خلالها وزارة التعليم على المدارس الخاصة لتخفيض تكاليفها فيتشجّع أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم فيها، الأمر الذي يخفّف الاكتظاظ في المدارس الرسمية"، لكنّه يؤكد أنّ ذلك "من الحلول المؤقتة".

وبينما تأكّد تدمير أكثر من 30 مدرسة في أحياء قاريونس والصابري وبوهديمة والليثي، يقول درباش إنّ "مصير 100 مدرسة في جنوب طرابلس ما زال مجهولاً"، مرجّحاً أن "تكون قد تضرّرت بمعظمها من جرّاء الحرب، ولم يعد بعضها صالحاً لاستقبال التلاميذ بسبب حدّة الاقتتال الدائر في الأحياء". وتعليقاً على جهود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لصيانة المدارس المدمّرة في البلاد، يلفت درباش إلى أنّه "أعلن في خلال العام الماضي عن تقديم أكثر من مليونَي دولار أميركي لصيانة مدارس في سرت، لكنّ جهود البرنامج غير كافية، إذ إنّها تركّز على المدن التي تجاوزتها الحرب وتعيش حالة هدوء، مثل سرت وبنغازي".

في سياق متصل، يكشف درباش عن "تمكّن مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية بحكومة الوفاق من إعادة 25 مدرسة إلى العمل في مناطق بغرب ليبيا، في العام الماضي"، مؤكداً أنّ "جهود الصيانة وإعادة التأهيل تطاول مدارس أخرى في هذا العام. لكنّ المعرقل الأوّل هو نقص في التمويل والميزانيات وعدم القدرة على صرفها في بنودها وأولوياتها". ويتحدّث عن عراقيل أخرى، من قبيل أنّ "عمل المصلحة يقضي تأمين المدرسة فقط من الألغام ومخلفات الحرب على سبيل المثال، فيما يبقى محيط المدرسة غير مؤمّن، وهو ما يعوّق عمليات التعليم".

ومن جهته، يصف مدير مدرسة نسيبة بن كعب في منطقة قصر الأخيار، عبد السلام ضو، وضع مدرسته بـ"السيّئ"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدد التلاميذ يصل في بعض الصفوف إلى 70". يضيف أنّ "إجراءات الوزارة القاضية بفتح المدارس أمام أبناء النازحين جاءت من دون دراسة ونظر في قدرة استيعاب المدرسة"، لافتاً إلى أنّ "مدرّساً واحداً لا يستطيع متابعة 70 تلميذاً، لا سيّما مع تأخّر العام الدراسي وضرورة تكثيف الدروس لتعويض ما فات". ويسأل ضو: "اليوم يتابع التلميذ تعليمه وقوفاً، لكن كيف يؤدّي امتحاناته لاحقاً؟".




ويقرّ درباش بأنّ "مشكلة الازدحام ونقص الإمكانيات في ظلّ النزوح لن تُعالَج في المستقبل القريب وسوف تكون لها آثارها السلبية على نتائج العملية التعليمية"، مشيراً إلى أنّ "الأجواء المطلوبة للدراسة غير متوفّرة في عدد من المؤسسات التربوية، خصوصاً تلك التي تؤوي نازحين يُطلب منهم مغادرة المدرسة صباحاً ليتمكن التلاميذ من تلقّي تعليمهم وسط أمتعة الأسر المهجّرة".

دلالات