فلتان أمني في بنغازي

فلتان أمني في بنغازي

27 ديسمبر 2019
انتشار المسلحين يعزز زيادة الجرائم (ماركو لونياري/ فرانس برس)
+ الخط -
أطلقت أجهزة أمنية تابعة لسلطة اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في بنغازي، شرقي ليبيا، حملة مداهمات واعتقالات ضد عصابات منظمة للجريمة والسرقة، من بينها عصابات منظمة تشترك فيها عناصر ليبية مع عناصر من جنسيات أخرى كالسودانيين. وأعلنت مديرية أمن المدينة، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، القبض على عصابة مؤلفة من سودانيين رفقة ليبيين، ومعهم كمية من المسروقات التي كانوا يستعدون لتهريبها إلى الخارج، كما قبضوا على عصابة أخرى تروج المخدرات وتستهدف المصايف على شاطئ البحر في بنغازي.

وبعد موجة من الانتقادات والتدوينات الغاضبة من ناشطي المدينة، يؤكد يونس الفلاح، الناشط الحقوقي، المهجّر من بنغازي إلى طرابلس، على أنّ الحملة الأمنية الجديدة جاءت تخوفاً من موجة تمرد أو غضب شعبي بعد تزايد حالات الجريمة في المدينة. ويقول الفلاح لـ"العربي الجديد" إنّ جرائم لم تغطّها وسائل الإعلام تفشّت بشكل كبير في أحياء شبنة وحي السلام وسيدي فرج وبوعطني، كما ظهرت عصابات مسلحة تتحرك ليلاً بالقرب من المدينة الرياضية. وفيما يؤكد الفلاح أنّ أجهزة الأمن تفرض حالياً نوعاً من الأمن، لا سيما في المناطق المأهولة بالسكان والمحلات التجارية، لكنّه يؤكد أنّ حالة الغضب في المدينة جاءت بسبب مشاركة مسلحين تابعين لقوات ووحدات أمن حفتر في السطو مثلاً على السيارات غالية الثمن، مشيراً إلى أنّ "أجهزة الأمن تتفادى الاحتكاك أو الصدام مع مسلحي قوات الصاعقة بأوامر من حفتر، مخافة وقوع تمرد مسلح من قبلهم".

منذ شهرين، لم تتوقف صفحة مديرية أمن المدينة عن الإعلانات المتوالية التي تبرز حملة أمنية قبض خلالها على عشرات العصابات الإجرامية في المدينة، لكن تغضّ الطرف عن ظواهر أخرى تهدد حياة المواطن، وعلى رأسها الرصاص العشوائي. يوضح الناشط الحقوقي أنّ "استمرار الرصاص العشوائي يعني انتشار السلاح بيد المواطنين، وهو ما لن يسمح به حفتر، وهناك احتمال أنّ مجموعات مسلحة تمتلك السلاح وتتبع حفتر هي من تقف وراء الجرائم ويغض حفتر طرفه عنها".



أعلن وزير الداخلية في الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، شرقي البلاد، إبراهيم بوشناف، مطلع الشهر الجاري، عن إنشاء أربعة مراكز جديدة للشرطة في بنغازي، في أحياء السلام والهواري وتيكة بودريسه، في محاولة لتفكيك المناطق عن بعضها والسيطرة عليها خارج نفوذ المجموعات المسلحة في المدينة.

وأعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا (أهلية) الشهر الماضي، عن وجود مؤشرات تؤكد تصاعد الجريمة الجنائية والجريمة المنظمة في مناطق عديدة من مدينة بنغازي، موضحة أنّ أحياء بالمدينة شهدت زيادة في جرائم السطو المسلح والسرقات والاختطاف والقتل بدوافع إجرامية من قبل الخارجين عن القانون وعصابات الجريمة المنظمة التي باتت تهدد بشكل كبير حياة وسلامة وأمن المواطنين والمقيمين الأجانب بالمدينة وممتلكاتهم. واستشهدت اللجنة، في بيانها، بحادثة اختطاف طاولت نقيب المحامين أبو بكر السهولي من قبل مجهولين اقتحموا مكتبه، واقتادوه إلى جهة مجهولة، بالإضافة إلى مقتل مواطنات سودانيات على أيدي عصابات إجرامية. لكنّ الفلاح يلفت إلى أنّ أغلب الجرائم لا يعلن عنها، ففي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي تناولت وسيلة إعلامية ليبية واحدة فقط مقتل شخص وإصابة 12 آخرين على الأقل، من بينهم نساء وأطفال إثر سقوط قذائف مضادة للطيران على سرادق عزاء بمنطقة بوهديمة في مدينة بنغازي. يتابع: "وكان ذلك بالرغم من أنّ الجريمة يعرفها الخاص والعام بالمدينة وقد جرى الكشف عن مصدرها، إذ كان المقذوف قد انطلق من منطقة الماجوري أثناء تأبين مجموعة مسلحة أحد رفاقهم الذي قتل في معارك طرابلس". وأكد أنّ أيّ جهة أمنية لم تلقِ القبض على الجناة. ويلفت الفلاح إلى أنّ وزارة الداخلية وأجهزة الأمن باتت تتكتم على حجم الجرائم التي كانت تعلن الجهات الطبية عنها، ومن غير المستبعد أن تكون الوزارة وراء الطلب من المركز الطبي لبنغازي عدم الإعلان عن الإحصاءات التي كان يصدرها دورياً.



وتعتبر إحصائية ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي آخر تلك الإحصائيات الرسمية، وقد جاء فيها أنّ المركز الطبي استقبل خلال عام 2018 سبعة قتلى و503 مصابين من جراء المشاجرات المسلحة التي تقع في الغالب بين أشخاص لا تتعدى أعمارهم عشرين عاماً. وعن السنوات الماضية، قال المركز إنّه استقبل 4017 حالة من ضحايا المشاجرات والسطو المسلح والاعتداءات المنزلية خلال عام 2017، مقابل 3039 حالة خلال عام 2016، و1635 حالة خلال عام 2015".

وبالرغم من الحملات الأمنية الواسعة التي تنفذها أجهزة الأمن بالمدينة، فالفلاح يؤكد أنّها لا تعكس شيئاً سوى حالة الانفلات الأمني واستمرارها في المدينة بالرغم من ادعاءات ضبط الأمن. ويتساءل: "أصابع الاتهام كانت توجه لمن يوصفون بالإرهابيين في ارتكاب الجرائم سابقاً، فلماذا لم تتوقف الآن؟ ومن المسؤول عنها؟".