حجارة ولاء الصغيرة تحكي

حجارة ولاء الصغيرة تحكي

03 مايو 2016
أنهت الكتابة والرسم على هذا الحجر (محمد الحجار)
+ الخط -

ليس حبّها للبحر دافعها الوحيد للذهاب إليه. كثيراً ما تجدها تجمع حجارة الزلط المبعثرة على الشاطئ. تحرص على اختيارها بعناية. هذه الحجارة لن تبقى في منزلها. بعدما تتزيّن برسوماتها وعبارات تختارها بعناية، يتبادلها الغزيّون كهدايا. عادة ما تختار كلمات الأغنيات التي يحبها أهل بلدها، بالإضافة إلى رسومات بسيطة ومعبّرة. هكذا، جعلت الحجارة تحاكي المشاعر.

هذه الفتاة تدعى ولاء جمعة الإفرنجي (26 عاماً)، وهي لاجئة من بلدة بئر السبع. تعيش في مخيّم النصيرات وسط قطاع غزة. درست اللغة الإنجليزية في جامعة الأزهر في القطاع، وعملت مدرّسة في مدارس حكومية وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وغيرها من المراكز التعليمية، بشكل متقطع. أيضاً، تطوّعت للتدريس في مركز "معاً" التنموي. مع ذلك، وجدت الوقت لثقل موهبتها في الرسم.

بدأت ولاء تنشط في العمل الاجتماعي مع عدد من الشباب المعنيين بملف الأسرى خلال فترة دراستها في الجامعة، فيما كانت تدرك أنها موهوبة في الرسم. اعتادت كتابة الشعارات مع الرسوم على اللافتات، ثم بدأت تترجم موهبتها من خلال الرسم على جدران منزلها، بالإضافة إلى الأخشاب بأشكالها المختلفة وكذلك الكؤوس الزجاجية. وذات يوم، انتبهت إلى الزلط تلك الحجارة الصغيرة على شاطئ البحر، وفكّرت في جمع بعضها لتجرّب الرسم عليها. وكانت النتيجة أن جعلت تلك الحجارة أكثر جمالاً.

بالمصادفة، طلبت منها شابة أن تكتب على الحجارة الصغيرة عبارات من بعض الأغنيات العربية، مثل "كبر البحر بحبّك" و"راجعين يا هوا" وغيرهما، كهدية لخطيبها. بعدها، بدأت ولاء العمل في هذا المجال ولاقت فكرتها إعجاباً كبيراً بعدما نشرت صوراً لأعمالها على صفحتها على "فيسبوك" وحسابها على "إنستغرام".

تقول ولاء لـ "العربي الجديد" إن "أكثر ما يؤثّر فينا هو كلمات الأغنيات، خصوصاً أنّها جزء من يومياتنا. لذلك، أكتبها على تلك الحجارة الصغيرة، وقد بات الناس يقدّمونها كهدايا لبعضهم بعضاً، إذ هي معبّرة". كذلك، تكتب بعض المقولات الشهيرة للأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، وبعض الكلمات الصوفية لجلال الدين الرومي، وغيرها. وهي أيضاً ترسم العيون وأموراً كثيرة أخرى.

في الإطار نفسه، ترسم أشكال التطريز الخاصة بالملابس على الصخور وغيرها من التصاميم الهندسية العربية والأندلسية، وتكتب عبارات روحانية. ولا تنسى كلمات أغنيات مارسيل خليفة بسبب كثرة الطلب عليها، بالإضافة إلى بعض العبارات الأكثر تداولاً في الأغنيات الوطنية والشعارات الفلسطينية غير التقليدية. وقد لاحظت أنّ الشباب يعشقون الكلمات العاطفية. تشير إلى أنّها تكتب عبارات قصيرة وجميلة في آن، وتختار رسومات مبسطة، وتجمع الحجارة الصغيرة من على شاطئ البحر بسبب نقائها، بالإضافة إلى بعض تلك الرخامية غير المستخدمة في البيوت".



قبل أسابيع، شاركت ولاء للمرة الأولى في معرض للفنون التشكيلية في قرية الفنون والحرف. عرضت على الطاولة 50 جحراً أضفت لمساتها عليها. فوجئت عندما وجدت إقبالاً كبيراً على طاولة عرضها، وقد عبّر كثيرون من الحاضرين عن إعجابهم بعملها. هكذا، بدأت معارض عديدة تعرض أعمالها، حتى أنّها شاركت في معرض التراث الفلسطيني الذي أقامته وزارة الثقافة في غزة.

بالنسبة إلى ولاء، كانت الكتابة والرسم على الحجارة مجرّد هواية، إلا أنّ أعمالها اليوم باتت مصدر دخل جيّد لها. في الوقت الحالي، يشتري كثيرون تلك الحجارة لإهدائها إلى آخرين، خصوصاً العاشقين. تقول إنّ "كثيرين يرغبون في الهدايا التي تحمل كلمات جميلة بعيداً عن لغة الدمار والخراب التي تحاصرهم في يومياتهم".

دائماً ما تسعى ولاء إلى تطوير رسوماتها على الحجارة، خصوصاً الكبيرة منها، واستخدام ألوان مناسبة، علماً أنها كانت تستخدم الألوان غير المخصصة للحجارة. يُذكر أنّها تواجه بعض الصعوبات في تأمين معدات الرسم الأساسية، إذ إنّ الألوان الجيدة التي تعدّ الأنسب لاستخدامها على الصخور ليست متوفرة دائماً في قطاع غزة المحاصر.

من جهة أخرى، تلفت ولاء إلى أنّ كلفة الحجارة بسيطة، علماً أن سعر الواحد منها يتراوح ما بين 0.8 و1.5 دولار أميركي. وعلى الرغم من نجاحها في عملها الفني، إلّا أنها تطمح إلى إكمال مسيرتها التعليمية، بالإضافة إلى فتح محل للهدايا. وتأمل في أن تتمكن من إتاحة الفرص للفتيات المبدعات بأن يكنّ جزءاً من هذا المحل.



المساهمون