النيل يبتلع طبيبة و21 تلميذاً في السودان

النيل يبتلع طبيبة و21 تلميذاً في السودان

15 اغسطس 2018
كارثة كبيرة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

واحد وعشرون طفلاً غرقوا، اليوم الأربعاء، في السودان. حادث مفجع يسلط الضوء على صعوبات الوصول إلى المدارس في القرى النائية، وعلى ضعف قطاع النقل، وعلى الفقر. ويكشف عن فاجعة حلت في السودان


لم يدر بخلد المواطن السوداني، عمر البصير (50 عاماً)، في يوم من الأيام أن يفقد بناته الخمس في يوم واحد، وفي لحظة واحدة، في فاجعة هزت السودان، صباح اليوم الأربعاء.

كعادتهن خرجت البنات، فجراً، من قريتهن الكُنيسة، التي تقع على ضفة نهر النيل، وعلى بعد نحو 630 كيلومتراً شمال الخرطوم، في رحلتهن اليومية إلى المدرسة، التي تقع في قرية أخرى على بعد 5 كيلومترات. تركب التلميذات الخمس ومعهن بقية تلاميذ القرية يومياً مركباً نهرياً صغيراً، تبرع به قبل سنوات ديوان الزكاة لنقل التلاميذ إلى قرية كبنة، حيث توجد مدرسة واحدة تقدم خدماتها لتلاميذ عدد من القرى المجاورة.

فجر اليوم الأربعاء، بينما كان المركب في رحلته اليومية، وعلى متنه 33 شخصاً، من بينهم معلمون، تعطل محركه، بحسب أهالي المنطقة الذين تحدثوا إلى "العربي الجديد"، فاصطدم بجذع شجرة كان طافياً فوق مياه النيل، لينقلب رأساً على عقب، ما أدى إلى وفاة 21 تلميذاً وتلميذة، كآخر إحصائية، بالإضافة إلى طبيبة كانت في زيارة إلى أهلها.




نجا، عبد المنعم الكليس، الذي كان يقود الرحلة، بحسب شقيقه، علي الكليس، الذي كان يتحدث من المنطقة عبر الهاتف إلى "العربي الجديد" بينما لقي 3 من أبنائه حتفهم بعدما كانوا معه في الرحلة المشؤومة، لكنّه تمكن في الوقت نفسه من إنقاذ 5 أطفال. يوضح علي الكليس، أنّ بعض الأسر فقدت أكثر من ابن أو ابنة في الحادثة، لكنّ فاجعة المواطن، عمر البصير، كانت أكثر مأساوية، لأنّه فقد خمس بنات.

من جهته، يضيف، حسن جيب الله، وهو أيضاً من أهالي المنطقة، لـ"العربي الجديد"، أنّ عدداً من جثث الضحايا، لم ينتشل، وأنّ فرقاً من الدفاع المدني والشرطة هرعت إلى مكان الحادث، بينما قطع والي الولاية، حاتم الوسيلة السماني، برنامجه وبقي مرابطاً في مكان الحادث، وأصدرت وزارة التربية والتعليم في الولاية نعياً للتلاميذ.

تقع المنطقة على مسافة 30 كيلومتراً من سد مروي الذي اكتمل تشييده في عام 2009، وجرت عمليات تهجير للأهالي، وسط احتجاجات من جانبهم لعدم اكتمال الخدمات الضرورية في المناطق البديلة، بما في ذلك الخدمات التعليمية، وفي سبيل ذلك، نفذ الأهالي إضرابات، ودخلوا في مواجهات مباشرة مع السلطات المحلية والمركزية.

يقول علي الكليس، إنّه في نحو 18 قرية لا توجد إلّا مدرسة واحدة يقطع التلاميذ كيلومترات طويلة للوصول إليها، مع وجود أودية يصعب المشي فيها فيضطر بعضهم لاستخدام المراكب النهرية الصغيرة بالرغم من المخاطر المرافقة لها. يحمّل الكليس، مسؤولية الحادث الأخير للسلطات المحلية، تحديداً المسؤولين في مفوضية إعادة التوطين التابعة لمشروع سد مروي، والتي لم تستجب منذ سنوات، كما يقول، لمطالبات الأهالي بتوفير الكثير من الخدمات بعد تهجيرهم قبل 10 سنوات. يشير إلى أنّ خدمات الكهرباء التي أنتجها سد مروي بعد تدشينه لم تستفد منها تلك القرى، فضلاً عن غياب الطرقات البرية في المنطقة. لتفادي تكرار مثل تلك الأحداث، يطالب الكليس، بإنشاء عدد من المدارس الثانوية والأساسية في المنطقة.

أما عصام الحكيم، وهو مراسل محلي بولاية نهر النيل، فيعيد الحادثة إلى ارتفاع منسوب مياه بحيرة سد مروي، كما توقع أن يكون الحمل الزائد للمركب سبباً آخر. يوضح الحكيم لـ"العربي الجديد" أنّ هناك توجيهات صدرت لوزارة التربية بتعليق الدراسة خلال فترة الفيضانات الحالية، بسبب التوقعات بحدوث كوارث، لكنّ الوزارة ترددت في اتخاذ القرار، مشيراً إلى أنّ السبب الأهم للحادث هو عدم اكتمال الخدمات. يؤكد أنّه سمع شخصياً من مسؤول بارز في مجال التعليم، تصريحاً كشف فيه عن وجود تلاميذ في المنطقة يسبحون في النهر جيئة وذهاباً في رحلتهم اليومية إلى المدارس. ويوضح أنّ المنطقة لحداثة إنشائها بعد عمليات التهجير لم يكتمل فيها كثير من الخدمات، إذ لا تتوفر فيها فرق من الدفاع المدني والإنقاذ النهري ولا فرق لمراقبة النهر والبحيرة.

من جهته، يطالب، مبارك عباس، نائب دائرة أبو حمد في البرلمان القومي، بضرورة التشديد في تطبيق قوانين ولوائح الملاحة النهرية على المراكب العاملة في تلك المنطقة، خصوصاً أنّ معظم التلاميذ هناك يستخدمون يومياً النقل النهري، إذ يعيشون في جزر داخل نهر النيل. يشير إلى أنّ وسائل النقل المستخدمة تفتقد إلى أبسط أدوات الأمان والسلامة وعدم توفر وسائل إنقاذ، مما يؤدي إلى إزهاق الأرواح بتلك السهولة. كذلك، يطالب عباس، بتوفير مجمعات سكنية للتلاميذ، بإعادة نظام ما كان يعرف بالمدارس الداخلية، إذ يوفر سكن داخل المدرسة لتجنب كثير من المخاطر.

تجدر الإشارة إلى أنّ "العربي الجديد" حاول التواصل مع مسؤولين حكوميين معنيين للتعليق على الحادث، لكنّ أحداً منهم لم يردّ على الاتصالات.

والأربعاء، هطلت أمطار غزيرة بولاية الخرطوم وأدت إلى إغلاق الطرقات وانهيار الحركة وتعطيلها في كثير من المناطق، بينما قررت وزارة التربية والتعليم تعليق الدراسة في كلّ المدارس ورياض الأطفال حتى انتهاء عطلة عيد الأضحى.



وأدت الأمطار والسيول والفيضانات في السودان، هذا الموسم، إلى آثار مدمرة، إذ لقيت 3 تلميذات مصرعهن في ولاية الخرطوم في انهيار حائط. وفي مدينة كسلا (شرق) لقي 4 أشخاص مصرعهم، أما غرباً في ولاية غرب كردفان فقد لقي 9 أشخاص حتفهم، فضلاً عن وفاة 5 في ولاية الجزيرة (وسط)، في حين رصدت الجهات المختصة انهيار آلاف المنازل والمؤسسات العامة في ولايات مختلفة.