الكتاب المدرسي... أزمة يمنية تتجدّد في كلّ عام

الكتاب المدرسي... أزمة يمنية تتجدّد في كلّ عام

05 نوفمبر 2019
هؤلاء تمكّنوا من الحصول على بعض الكتب (العربي الجديد)
+ الخط -

منذ بداية الحرب في اليمن منذ أكثر من أربعة أعوام، تتجدّد عند انطلاق كلّ عام دراسي جديد أزمة الكتاب المدرسي، علماً أنّها تتفاقم مع تدهور الأوضاع في البلاد أكثر فأكثر، وذلك على أكثر من صعيد. وهذا العام تبدو مستفحلة

بعد أسابيع على انطلاق العام الدراسي الجديد في اليمن، لم يحصل سامي العريقي، وهو تلميذ في الصف الثاني الإعدادي، على كتبه المدرسية حتى اليوم، لذا فإنّه يعمد - متى أتيحت الفرصة له - إلى المذاكرة مع زملاء قليلين استطاع أولياء أمورهم توفير تلك الكتب لهم. ويخبر سامي "العربي الجديد": "أحاول كتابة ما أستطيع من دروس في خلال الفصل، فيما أستعير من وقت إلى آخر كتباً من زملائي الذين إمّا اشتروا الكتب وإمّا حصلوا عليها من إخوتهم الذين تجاوزوا المستوى ذاته في العام الماضي". ويشير سامي إلى أنّ ثمّة مدرّسين يتفهّمون وضع التلاميذ الذين لا يملكون كتباً مدرسية، لكنّه يؤكّد أنّه ينسى كثيراً ما تعلّمه في المدرسة.

ثمّة أولياء أمور تمكّنوا من توفير الكتب المدرسية لأبنائهم من خلال شرائها من السوق السوداء بأسعار باهظة. أمّ سناء العديني من بين هؤلاء، وقد اشترت كتباً خاصة بالصفين الرابع والخامس الابتدائي. تقول لـ"العربي الجديد": "أبنائي في مدرسة حكومية في صنعاء وقد وزّعت لهم المدرسة جزءاً من الكتب فقط، وهذا ما جعلني اشتري بقيّة الكتب من السوق"، شاكية من أنّ "المدرسة لا تعلّم أبنائي كما يجب، لذا أضطر إلى متابعة مذاكرتهم في المنزل باستمرار". تضيف أمّ سناء أنّ "الكتب التي تُباع في السوق السوداء تُعرَض في بعض المكتبات أو على الأرصفة وسط صنعاء، علماً أنّها كتب طُبعت في أعوام ماضية وليس حديثاً"، لافتة إلى أنّ "ثمّة كتباً مستخدمة فيما اقتُطعت أجزاء من أخرى، لكنّنا مرغمون على شراء المتوافر".




تحاول مدارس كثيرة إيجاد حلول للمشكلة من خلال توزيع كتب مدرسية مستخدمة في الأعوام الدراسية الماضية، لكنّ أعداد تلك الكتب قليلة ولا تلبّي الحاجة. التلميذ عبيد عبد الغني، وهو في المرحلة الثانوية، يتشارك مع اثنَين من زملائه بعضاً من تلك الكتب المدرسية المستخدمة. ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن الثلاثة نجتمع في كلّ يوم عند واحد منّا لنذاكر دروسنا ونعدّ الواجبات اليومية، وهو أمر يتفهّمه المدرّسون عندنا ويتعاملون مع أوضاعنا بمرونة". ويؤكد عبيد: "نحن متضرّرون جداً من هذا الوضع، ولا سيّما أنّ الدروس تتراكم ولا نستطيع فهمها أحياناً، وخصوصاً العلميّة"، مضيفاً: "ونحن كطلاب ثانويين لا نحتاج فقط إلى الكتاب المدرسي، بل كذلك إلى الملخصات التي تساعدنا في دراستنا. لكنّ أسرتي لا تستطيع توفير الكتاب المدرسي ولا الملخصات التي تساعدني على الفهم".

لا تقتصر المعاناة الناتجة من عدم توافر الكتاب المدرسي على التلاميذ وأولياء أمور فقط، فإدارات المدارس والمدرّسون تحديداً يشكون من ذلك. وهذا ما يؤكده المتخصص التربوي محمد الخضر لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "نحرص في نهاية كل عام على سحب الكتب المدرسية من التلاميذ حتى نوزّعها في العام الدراسي الجديد على التلاميذ الجدد، لكنّ هذه الطريقة لا تغطّي الحاجة، إذ إنّ ما نحصل عليه قليل. كذلك لا يمكن استخدام كتب الصفوف الأربعة الأولى، لأنّها تصل إلينا تالفة تماماً، فالأطفال لا يستطيعون الحفاظ عليها سليمة". يضيف الخضر أنّ "المدرّسين يجدون صعوبة في تعليم التلاميذ من دون كتاب المدرّس، فهم يُضطرون إلى بذل جهد مضاعف من أجل تعليم التلاميذ، علماً أنّهم لا يتقاضون رواتبهم ولا مستحقاتهم". ويلفت إلى أنّ "إدارة كل مدرسة تحاول إيجاد حلول خاصة بها بعيداً عن وزارة التربية والتعليم في صنعاء التي عجزت عن توفير الكتاب المدرسي بشكل كامل في خلال الأعوام الأخيرة".



في سياق متّصل، يقوم شباب بمبادرات شخصية لتوفير الكتب المدرسية لتلاميذ من فئات معيّنة، إمّا الأيتام وإمّا أبناء الأسر الفقيرة التي لا تستطيع توفيرها من السوق السوداء. خالد واحد من هؤلاء الشبان، وهو يجمع تبرّعات من بعض المغتربين في خارج اليمن ليتمكّن من نسخ المناهج في المكتبات وتوزيعها فيما بعد على التلاميذ الذين يحتاجونها. يقول لـ"العربي الجديد": "أتواصل مع أشخاص ميسورين يثقون بي وأحدّد عدد التلاميذ الذين يحتاجون إلى كتب، وبعضهم لا يتردد في تقديم المساعدة، فيما ثمّة آخرون يعتذرون عن ذلك"، مشيراً إلى أنّه نجح في "توفير المناهج منسوخة لأكثر من 150 تلميذاً وتلميذة". يضيف خالد أنّ "ثمّة أسراً معدومة تستسلم لفقرها ولا تعدّ ذلك أولوية، لهذا فإنّها لا تسعى إلى توفير تلك الكتب لأبنائها وكذلك مصاريف الدراسة الأخرى، فيُحرَم أبناؤها التعليم"، مطالباً "رجال الأعمال بأن يلتفتوا إلى هذه المشكلة". ويشدّد على أنّ "ثمّة أهميّة كبرى للتعليم، وبالتالي يجب على بعض الأشخاص المقتدرين أن يدعموا التعليم في مناطقهم، إلى حين أن تنتهي الحرب وتقوم الدولة بمهماتها المطلوبة في هذا الإطار". بالنسبة إليه، لو "تكفّل كلّ تاجر بتعليم عدد من التلاميذ في المناطق حيث يعيشون، لحُلَّت المشكلة أو لتجاوزنا جزءاً كبيراً منها على أقلّ تقدير".

وكانت وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة الحوثيين قد أعادت أسباب عدم قدرتها على توفير الكتب المدرسية إلى الحرب والأوضاع الاقتصادية في البلاد. ويقول وكيل قطاع التعليم في الوزارة في صنعاء عبد الله النعمي لـ"العربي الجديد" إنّ "الحرب والوضع الاقتصادي جعلا السلطات في صنعاء عاجزة عن توفير تكاليف طباعة الكتاب المدرسي". يضيف أنّ "الحصار والعدوان سبّبا عدم قدرة لدى الحكومة في صنعاء على الإيفاء بالتزاماتها، ونحن لم نحصل على ريال واحد لطباعة الكتب المدرسية. كذلك فإنّ المنظمات الدولية التي كانت معنيّة بهذا الملف لم تدعم طباعتها". ويشير إلى أنّهم تواصلوا مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لتقديم الدعم، "إلا أنّها اعتذرت بذريعة أنّ المانحين اشترطوا عدم طباعة الكتب التي أدخلت عليها تعديلات، فطلبنا طباعة تلك التي بقيت على حالها، من قبيل الكيمياء والفيزياء واللغة الإنكليزية والرياضيات وعلم الأحياء، لكنّها رفضت كذلك".

ويوضح النعمي أنّ "ميزانية المؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي كانت تُقدَّر بأكثر من 24 مليار ريال يمني (نحو 96 مليون دولار أميركي)، إلا أنّها اليوم تراجعت لتبلغ صفراً بسبب الحرب، وبالتالي لم نحصل على ريال واحد، لا من الحكومة ولا من المنظمات". وعلى الرغم من هذا الوضع المأزوم، يؤكّد النعمي أنّ "المطابع استطاعت إيجاد بعض الحلول التي وفّرت ما بين سبعة وعشرة في المائة من احتياج العام الماضي. وفي بداية العام الدراسي الجاري، وُزّع ما بين 20 و30 في المائة من قيمة الاحتياج، لكن بنسب متفاوتة بين المحافظات"، لافتاً إلى أنّ "الحكومة في صنعاء وعدت ببعض حلول لهذه المشكلة".

المساهمون