مستشفيات السويد... عنصرية في وجه الأطباء المهاجرين

مستشفيات السويد... عنصرية في وجه الأطباء المهاجرين

22 ديسمبر 2018
ليس بإمكان السويد الاستغناء عن الأطباء المهاجرين(زفن ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -

قبل سنوات قليلة، كانت السويد من أكثر مجتمعات أوروبا دمجاً للمهاجرين وتقبلاً لهم. لكنّ الصعود اليميني يفعل فعله، ليصل الأمر إلى رفض بعض المرضى تلقي العلاج من أطباء ذوي أصول غير سويدية


"ألا يوجد طبيب آخر غيرك؟ لا أريد أن تعالجني تركية، بل سويدي حقيقي... مسيحي" هذه الجملة الصادمة سمعتها طبيبة ولدت وكبرت في السويد، وتحدثت عنها إلى السويديين عبر القناة الرسمية "إس في تي" مساء أول من أمس الخميس، لتلخص العنصرية المتفشّية في مستشفيات السويد بحق مئات الأطباء.

هذا الكشف جاء نتيجة دراسة مشتركة للقناة الرسمية ونقابة أطباء السويد، لنحو 16 ألفاً من العاملين في القطاع الصحي، ومن بينهم أطباء وممرضون ومسعفون. وقد بينت الدراسة أنّ ذوي الأصول غير السويدية يواجهون "تعليقات عنصرية مهينة وصادمة في المستشفيات السويدية".

حتى أعوام خلت، كانت السويد من أكثر مجتمعات اسكندنافيا وشمال أوروبا انفتاحاً وتعددية، لكنّ العنصرية باتت علنية اليوم، يعبّر عنها حصول حزب عنصري له جذور نازية على نحو 20 في المائة من الأصوات في الاستطلاعات الحالية. ويبدو التبدل في هذا البلد سائراً نحو اتخاذ استوكهولم وجهاً مختلفاً لم يكن يشبهها قبل سنوات.



شهادات صادمة
شهادة طبيبة التخدير، المشار إليها باسم عائلتها فقط "زيادة" وهي عائلة معروفة ومقيمة في السويد منذ سنوات طويلة، أشارت إلى حادثة وقعت مع "مريض ذكر" قبيل إجراء عملية جراحية. وفي شهادة أخرى على القناة نفسها، تذكر الطبيبة من أصل مهاجر، سوار هلال، أنّها صدمت إذ لم تكن تعرف بوجود هذه العنصرية قبل اختبارها بنفسها: "أحدهم قال لي: لا أرغب بيد أجنبية تعالجني، اذهبي من هنا... صدمني هذا، لكن لم أبدِ امتعاضاً، فأنا طبيبة محترفة. حضر زميلي الأسترالي وقال للمريض: لا يمكنك أن تحدد الطبيب المعالج، كما أنّي أنا أيضاً أجنبي أسترالي، فكان جواب المريض: أنت جيد... لا مشكلة فيك كونك أسترالياً". هذه الصدمة امتدت إلى المجتمع السويدي، ونقابة الأطباء التي أكدت أنّها لن تسمح بانتشار العنصرية بحق الأطباء في مستشفيات السويد.

تستمر الشهادات التي تعرضها القناة السويدية تباعاً كمحاولة منها، بحسب تأكيدها، لإلقاء الضوء على الحالة. تستضيف بعض الطبيبات، كما في حالة الطبيبة سارة صادق. وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع الطبيبات الشابات يتحدثن لغة سويدية لا عيب فيها، إذ ولدن ودرسن في هذا البلد. صادق تذكر أنّها أثناء فترة التدريب التكميلي في أحد المستشفيات "ذهبنا في جولة على المرضى، وكان معي زميلان. مدّ المريض يده مصافحاً الزميلين، وحين وصل دوري ومددت يدي سحب يده بعيداً، ولم يرغب في مصافحتي، واستمر بالحديث فقط مع الزميلين، وكأنّ شيئاً لم يكن". تتابع الطبيبة: "حين أراد زميلي فحصه في الجزء العلوي من الجسم، رفض بكلّ وضوح نزع قميصه قائلاً: لن أفعل ذلك طالما هذه - ويقصدني- في الغرفة".

تعرض القناة شهادة الطبيبة، عايدة شاكر، من مستشفى "استوكهولم": "لا يمرّ أسبوع من دون أن أتعرض لتعليق سلبي عن أصولي، وفي بعض الأحيان تكون التعليقات يومية. من ذلك سؤال شائع: من أين أنت في الأصل؟ وهو ما لا علاقة له أساساً بالعلاج. كذلك، هناك تشكيك مبطن بمهنيتي وإمكاناتي بين سطور التعليقات". جاء أهل الدكتورة شاكر، مهاجرين من إيران قبل سنوات طويلة، وكبرت هي في السويد ودرست الطب في جامعاتها. تقول: "أعلم أنّ الناس يفتشون عن البلد الأصلي الذي حضر منه أهلي، لكنّ كلّ ذلك غير ذي صلة بالطب. وحين يسألونني عن ذلك، أجيبهم أنّي من سلونا في استوكهولم، لكنّهم يصرون على سؤال آخر عن الأصل. وبالرغم من المهنية فإنّ طبيعة الأسئلة الشخصية تريد التشكيك بخبرتك وقدراتك كطبيب".




صعود اليمين
نقابة الأطباء السويديين أوضحت عبر رئيستها، هايدي ستينسميرين، أنّها بالتعاون مع القناة الرسمية هدفت من هذه الدراسة الشاملة إلى "قياس ما إذا كان الأطباء تعرضوا لظلم وعنصرية وإهانة بسبب الخلفية الاثنية والدينية من المرضى وأقاربهم. وقد شمل المسح موافقة 505 أطباء من الجنسين، على فرضيته التي تقول: "تعرضت لتعامل مهين بسبب عرقي أو ديني أو خلفيتي من المرضى أو أقاربهم".

أثارت النتائج انتقادات لاذعة، بسبب تجاهل تحذيرات وشكاوى سابقة، تقدم بها العاملون في القطاع الصحي من تفشي التمييز العرقي والديني، وغياب أيّ شكل من أشكال الدعم لهذه الفئة المهنية الرئيسة، التي يفترض أنّها تسد حاجة مجتمع السويد للرعاية الصحية، خصوصاً بعدما انتشرت الشيخوخة فيه، واضطرار البلاد إلى جلب أطباء من الخارج. يأتي ذلك فيما كثير من المهاجرين لم يجرِ الاعتراف بشهاداتهم وخبراتهم، وتلك قصة أخرى يشكو منها أطباء سوريون أوقفت الإجراءات الصارمة حديثاً اعتماد خبراتهم، وأصرت على استيراد أطباء من رومانيا وغيرها.

عبرت نقابة الأطباء، بلسان رئيستها، هايدي ستينسميرين، عن أسفها من هذه الحالة، وأكدت على أنّ "أرباب العمل في المستشفيات، في البداية، الاعتراف بانتشار العنصرية". ويبدو أنّ العنصرية باتت تعبر عن نفسها أكثر في البلاد، بالترافق مع تقدم اليمين الشعبوي بحسب ما يذكر لـ"العربي الجديد" طبيب عربي في محافظة أوبسالا، طلب عدم ذكر اسمه.

استهداف "نخبة المجتمع" كما تسميهم القناة الرسمية ليس جديداً: "الشهادات التي ضمتها الدراسة ظهرت أكثر من مرة في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، وبالرغم من ذلك، لم تتخذ إدارة مستشفى يونشوبينغ (وسط السويد) أيّ إجراء، ولم تقدم أيّ دعم لنا" وفقاً للطبيبة، آمي بروتا، التي تعرضت لتعليقات شبيهة، بسبب سحنتها الجنوب أوروبية، الأقرب إلى حوض البحر الأبيض المتوسط. تذكر آمي أنّ "بيئة العمل باتت سيئة، خصوصاً حين لا يؤخذ الأمر على محمل الجد، فالقصة لا تتعلق فقط بتعليقات المرضى وأهاليهم، بل في أسلوب تعاطي الإدارة غير المكترث، سواء كانت التعليقات التمييزية صادرة عن زملاء في المهنة أو عن مرضى يرقدون على الأسرّة". في شهادتها تقول آمي، المولودة أيضاً في السويد، إنّ التعليقات تلك تجعل الإنسان يعيش في عزلة وتشعره أنّه غير مرحب فيه: "بالرغم من أنّ التعليقات أحياناً تبدو حسنة المقصد في الظاهر كالقول: شيء مثير أن تكوني طبيبة... وأهلاً بك في بلدنا، فهي تعليقات غير لطيفة تجعلك تشعر أنّك غريب في بلدك الذي ولدت وكبرت فيه".



مسؤولية المستشفيات
في رد من مستشفى مقاطعة يونشوبينغ على شهادة الطبيبة، آمي بروتا، تذكر الإدارة أنّ "الجميع يجب مساندتهم في تلك الظروف وتأسف الإدارة لما عايشته الطبيبة". وبالرغم من تبني المقاطعة مبادئ توجيهية حول كيفية الاستجابة لطلب المرضى أطباء محددين، ورفض آخرين، أو رفض ممرضين يعملون في المستشفى، استناداً إلى الأصل والجنس، فإنّ مسؤولة قسم الصحة العامة، عضو مجلس أخلاقيات المهنة في المقاطعة، إيفور بلومكفيست، تشير إلى "صعوبة في انتهاج أساليب عملية تجاه ما تطرحه هذه الحالة (العنصرية) فليس من السهل إعطاء إجابة محددة على مثل هذا التحدي".

موقف نقابة الأطباء من جهته يحمّل أرباب العمل مسؤولية مواجهة التحدي المتفشي في مستشفيات السويد "خصوصاً في بيئة عمل تنتشر فيها أساليب الإهانة التمييزية والعنصرية، وهذه البيئة ليست من مسؤولية الأطباء، بل أرباب العمل" وفقاً لرئيسة النقابة، هايدي ستينسميرين. تضيف: "من واجب الأطباء والعاملين في القطاع الصحي عدم الصمت على ما يتعرضون له، والإبلاغ عن تلك الحوادث".

من ناحيته، يذكر الخبير في مصلحة "بيئة العمل" السويدية، أولريك ستوتزير، أنّ "التعليقات المهينة من قبل الزملاء أو المرضى بحق الأطباء، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى الإضرار بالبيئة الصحية عموماً، فالضرر الذي يلحق بزميل نتيجة تعليقات زملاء ومرضى يمكن أن يحمل مخاطر في ظروف عمل ضاغطة، ما يؤدي على المدى الطويل إلى نتائج سيئة، وتلك مخاطر من مستويات متعددة يجب التصرف حيالها لوقفها".




الخشية التي يعبر عنها مراقبون وناشطون في الحقل الاجتماعي والسياسي في السويد، هي من "تحول التمييز والعنصرية إلى حالة عامة تدمر مستقبل الجميع" كما يعبر عنها لـ"العربي الجديد" الناشط الفلسطيني، عمر منصور، الذي يتابع دراسة التمريض في أحد معاهد أوبسالا، شمالي استوكهولم.

المساهمون