"سيدي رمضان" في الجزائر

"سيدي رمضان" في الجزائر

08 يونيو 2016
تنشط نساء قبل 10 أيام من رمضان (توفيق زيتوني)
+ الخط -
يحظى شهر رمضان بمكانة خاصة لدى الجزائريين، حتى إنّهم يعاملونه كإنسان من لحم ودم. لهم في استقباله عادات وطقوس تختلف من منطقة إلى أخرى لكنها تلتقي في إبداء الفرحة بالضيف السنوي العزيز.
قد نجد في الأسرة الجزائرية الواحدة من يحافظ على الصلاة ومن يتركها، وكذلك هو الشأن في الولائم والجنازات. أما في حالة الصيام فإن إجماعاً يحصل داخل الأسرة والمحيط على استهجان انتهاك حرمة "سيدي" أو "عمي رمضان" كما يسميه الجزائريون. بل إنّ هناك مناطق ترفض أن تزوّج من يفعل ذلك. من هنا، فالمطاعم والمقاهي معفاة من النشاط حتى قبيل أذان المغرب، وليس مستبعداً أن تتعرض إلى الحرق أو التخريب إن تجرأت على فتح أبوابها قبل ذلك.

يفسر الباحث في تاريخ التصوّف سعيد جاب الخير هذه الحظوة التي يتمتع بها الركن الرابع في الإسلام، بالمقارنة مع الأركان الأخرى داخل المجتمع الجزائري، بكون رمضان أبرز العبادات المكرسة للروح الجماعية، من خلال لحظات الإفطار والسحور والتراويح والسهرات والزيارات. وهي الروح التي ساعدت الجزائريين على مقاومة أشكال الطمس التي تعرضت لها هويتهم خلال فترة الاحتلال الفرنسي. يقول لـ"العربي الجديد": "يحدث أن تتواطأ الجماعة في عز حاجتها إلى وحدتها على تصعيد عبادة ما من مقام الطقس الديني إلى مقام الطقس الاجتماعي، فيصبح انتهاكه مزدوج التجريم".

إجماع الجزائريين على تقديس شهر رمضان، أدى بهم إلى إجماعهم على الاستعداد لاستقباله، خصوصاً خلال الأيام العشرة التي تسبقه من شهر شعبان، والأيام العشرة التي تعقبه في شهر شوال "العواشير". يحلفون بها مستهجنين ارتكاب الأخطاء فيها.
تتشابه لدى الجزائريين بعض مظاهر هذا الاستعداد، مثل طلاء الجدران وتنظيف الغرف، خصوصاً المطبخ، وخروج النساء إلى الأسواق لتجديد الأواني وستائر النوافذ وأغلفة الأرائك وغسل الأفرشة وتنظيف المساجد وساحات التراويح من منطلق "إبداء الفرحة المسبقة وطلب البركة ونشدان التغيير وطرد الأرواح الشريرة" بحسب الحاجة خديجة، وهي إحدى معمّرات قصبة الجزائر العاصمة. تضيف: "مع مطلع شهر شعبان يتعمد رب البيت السهو عن شطر من المال، لتشتري به زوجته أو أمه مستلزمات رمضان من توابل وأوانٍ ولحوم حمراء وبيضاء وقهوة وشاي ومكسرات".

ولأنّ "شربة الفريك" الطبق الرمضاني الذي يحقق الإجماع، داخل الأسرة الجزائرية، خصوصاً في المنطقة الشرقية، فإنّ اقتناء الفريك (قمح أخضر يهرس بعد تجفيفه)، يأتي في مقدمة المؤشرات على أنّ رمضان على الأبواب، إلى جانب تكاثر محلات الزلابية والحلويات المحلية مثل "البقلاوة" و"المقروط".
غير بعيد عن الجزائر العاصمة شرقاً، يعمل أعيان القرى الأمازيغية على تنظيم "الوزيعة". وتعني جمع المال من القادرين على التبرع، ليشتروا به ثيراناً أو كباشاً يذبحونها ويقسمون لحومها بالتساوي على السكان، في احتفال جماعي يحضره حتى أبناء المنطقة المقيمون خارجها.



في المنطقة نفسها، ينقل الإعلامي بلقاسم بوبكر لـ"العربي الجديد" طقساً يقول إنّه بات يواجه خطر التخلي عنه، في ظل التحولات الاجتماعية. هو طقس يقوم على الاحتفاء بصيام الفتى أو الفتاة للمرة الأولى، بإطعامهما بيضاً مسلوقاً مع كأسي حليب وماء، ليس فوق المائدة بل فوق قرميد البيت، كناية عن النضج والاستعداد للتعامل مع العلو. يضيف: "ولأنّ السائد ختان الأطفال في اليوم السابع والعشرين من رمضان، فإنّ الأيام القليلة التي تسبق الشهر تعرف إقدام كبار العائلة على شراء جهاز الختان ووضعه في مكان خاص استعداداً للحدث المشهود".

طقس الاحتفاء بصيام الأطفال للمرة الأولى في منطقة أدرار، على الحدود مع دولتي مالي وموريتانيا، يختلف بإلباس الطفل لباساً أبيض، وذبح كبش لإطعام الأهل والأقارب، على الأقل خلال الأسبوع الأول من الصيام. يصبح "القصر"، وهو تجمع سكاني يجمع قبيلة أو اثنتين، بحسب الناشط المسرحي عقباوي الشيخ، أسرة واحدة يتكامل أفرادها في توفير أسباب السعادة والراحة لبعضهم.
يذكر الشيخ لـ"العربي الجديد" بعض الحاجيات التي تعدّها نسوة "القصور" قبل فترة، منها "الزنبو" وهو طحين الشعير الذي يعوض "الفريك" في الشمال، ليصنع منه طبق "الحريرة" الذي يكون في مقدمة الإفطار، و"العيش" أو الكسكسي المصنوع من القمح والشعير، ويقدم مع التمر المدقوق عند السحور. يوضح: "تتفق النسوة على تخصيص يوم لكلّ ربة بيت، حتى يحضّرن ما يكفيها على مدار الشهر المقدس".

من جهته، ينقل الإعلامي محمد فاروق طوالبية لـ"العربي الجديد" أجواء مدينة تبسة، على الحدود التونسية شرقاً: "أول ما يثير الانتباه إلى حلول رمضان روائح الجاوي والبخور المنبعثة من الأزقة والبيوت القديمة، تطلقها كبيرات السن للحث على الاستعداد روحياً ومادياً لاستقبال السيد العزيز كما يسمينه". يضيف: "تفرش الأزقة المحيطة بالجامع العتيق، وتعدّ حلوى العجائز الملونة لتكريم الأطفال الذين يحفظون ربع يس".