أطفال سيناء.. يتامى وقتلى وجرحى ومعتقلون

أطفال سيناء.. يتامى وقتلى وجرحى ومعتقلون

16 مايو 2016
حتى الدواء ممنوع عليه اليوم (فرانس برس)
+ الخط -

لم يسلم أطفال سيناء من شظايا الحرب الدائرة منذ سنوات في مدنهم بين الجيش المصري والمجموعات المسلحة، إذ قتل أكثر من 86 طفلاً وأصيب العشرات، فيما تيتّم مئات من هؤلاء الصغار بعدما فقدوا آباءهم وأمهاتهم.

في كلّ قرية، تُروى حكاية طفل قُتل مظلوماً إما برصاص الجيش أو المسلحين، وإلى جواره طفل آخر فقد أحد أعضائه أو أصيب بجراح نتيجة قصف مدفعي أو جوي، وثالث تيتّم بعدما خسر أحد ذويه، ورابع اعتقل قبل سنوات في السجون.

في مدينة الشيخ زويد، كتب طفل في الصف الخامس "أمي ماتت ومات معها كل شيء"، على ورقة اختبار في مادة اللغة العربيّة. كتب الصغير ذلك، وهو واحد من الذين فقدوا أمهاتهم نتيجة الحرب، رداً على سؤال طُرح في اختبار الفصل الدراسي الثاني، مفاده الكتابة عن فضل الأم على أبنائها وواجب هؤلاء نحوها. الحروف القليلة التي صاغتها براءة الطفل محمد ذي الأعوام العشرة، ما هي سوى تلخيص لمعاناة مئات الأطفال الذين يسكنون في قلب ساحة الحرب المستمرة منذ سنوات عدّة.

في إحدى قرى شرق رفح، أصيب الطفل خالد (12 عاماً) بشظايا قذيفة مدفعية أطلقها الجيش المصري صوب منزلهم قبل عام، وهو ما أدّى إلى بتر جزء من قدمه. عند سؤاله عن تفاصيل ما جرى، يخجل خالد من حاله ويقول لـ"العربي الجديد": "ما بدّي أمشي في الشارع أو أروح للمدرسة. بلاش يضحكوا على طريقة مشيي". إصابة خالد التي أدّت إلى مشيه مشية العرج، جعلته ينقطع عن مدرسته منذ ذلك الحين، الأمر الذي دفع أهله إلى التخوّف من دخوله في حالة نفسية سيئة نتيجة بقائه في البيت طيلة الوقت ورفضه اللعب مع أبناء جيله أو التفاعل معهم.

أمّا الطفل يوسف من قبيلة الترابين، فيعاني بطريقة أخرى. هو يقطن برفقة جدته في مكان يشبه المنزل، لكنّه دون ذلك، بعد مقتل والده (ابنها) في غارة جوية، فيما تستكمل والدته العلاج برفقة أمها في مدينة القاهرة. تقول الجدّة في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد": "الولد في حاجة إلى أدوية. هو مصاب بضيق التنفس منذ ولادته، وأنا لا أستطيع شراءها له. بالكاد أستطيع توفير الطعام لنا". تضيف: "ابني قتل في غارة جوية نفّذها طيران الجيش قبل ستة أشهر. وقد جمع الأقارب أشلاءه، ليُدفن من دون أن نودّعه".




إلى تلك الجرائم التي تُرتكب في حقّ الأطفال من خلال استهدافهم مباشرة، يطاول قصف الجيش مدارسهم ومرافق صحية تُعنى بهم، من دون مبرّر لذلك. يأتي ذلك تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، بحسب ما يقول أحد مشايخ سيناء.

في السياق، يطالب "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" بالتحقيق في انتهاكات يرتكبها الجيش المصري ضدّ الأطفال في سيناء. وأخيراً، أصدر بياناً جاء فيه: "زاد الأمر سوءاً استهداف المدنيين، بصفة خاصة بالقتل، فسقط الرجال والنساء والشيوخ برصاص الجيش، وقد نال الأطفال الرضّع نصيب من ذلك الأذى، فقتلت الطفلة رهف يوم 16 مارس/آذار (الماضي)، وأعقب ذلك قتل الطفلة رغد يوم 23 مارس/آذار، فيما أطلقت نيران الجيش تجاه المواطنة ‏مريم (29 مارس/آذار الماضي) ما أدّى إلى إصابتها بطلقتَين، إحداهما في القدم والأخرى في بطنها، ما أدّى إلى قتل جنينها في الحال".

وأشار المركز الحقوقي في بيانه إلى أنّ "تلك الجرائم تتمّ بأوامر من وزير الدفاع ضدّ أهالي سيناء"، داعياً النائب العام المصري إلى "فتح تحقيق مع وزير الدفاع في الانتهاكات المرتكبة في حقّ أبناء سيناء من هدمٍ للمنازل وتجريف للأراضي وقتل للمدنيين العزل". كذلك، طالب البرلمان الأوروبي بالتضامن مع أسرة الطفلتَين (رهف ورغد) وأسرة مريم أيضاً، وتحديد مرتكب الجريمة ومعاقبته، خصوصاً أنّ عمليات إطلاق النار أتت من كمائن (نقاط عسكرية) معروفة ومحددة.

بعدما قتل الجيش المصري جنين مريم في بطنها، تصدّر وسم #قتلوا_الجنين قائمة الوسوم على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر. يروي الناشط الحقوقي هيثم غنيم على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" الواقعة، إذ كتب: "القصة باختصار انشروها وكونوا صوت أهل سيناء. بتاريخ الثلاثاء 29 مارس/آذار، قامت قوات الجيش المصري المتمركزة في كمين حيّ الترابين، جنوب الشيخ زويد، بإطلاق النار على السيدة مريم س.س. الحامل في الشهر السابع، قرب منزلها، في أثناء جمعها بعض الأعشاب لأغنامها، وأصيبت السيدة بطلقتين: الأولى في قدمها والثانية في بطنها، ما أدى إلى وفاة الجنين فوراً، وتم إجراء عملية جراحية لها في مستشفى العريش العام، وتم إخراج الجنين مصاباً بالطلق الناري ومتوفى. وهي ترقد الآن في العناية المركزة بمستشفى العريش العام".



من جهة أخرى، أصدر "المرصد السيناوي لحقوق الإنسان" تقريراً شمل معلومات حول حقوق الإنسان المنتهكة والمسلوبة في سيناء ميدانياً، وقد أشار إلى أنّ 86 طفلاً قتلوا في وقائع مختلفة خلال العامَين الماضيَين في مناطق متفرّقة شرق سيناء. وأوضح المرصد أنّ الضحايا من الأطفال سقطوا على يد قوات الجيش المصري، التي تعمّدت قصف منازل المدنيّين العُزّل، غير آبهة بساكنيها وبطريقة عنيفة وعشوائية. وأكّد أنّ عمليات القتل أتت بقصف مدفعي من نقاط ارتكاز لقوات الجيش المنتشرة في المنطقة، أو من طائرات حربية تابعة لقوات الجيش، في وقائع مختلفة.

كذلك، أحصى الفريق المعني بالتوثيق في المرصد، أربع حالات اختفاء قسري لأطفال دون الثامنة عشرة، أبرزهم الطفل أحمد عودة الذي اختطف مع 16 آخرين من منطقة الوادي الأخضر في الخروبة التابعة لمدينة الشيخ زويد في شمال سيناء، عقب أدائهم صلاة الفجر منذ ما يزيد على عامَين. أمّا الطفل أنس بدوي المختفي في مقرّ عسكري، بحسب ما ورد في شكوى تقدّم بها ذووه أمام المرصد السيناوي في وقت سابق. يُضاف إلى هؤلاء من فقدوا والديهم في صراع قوات الجيش المصري مع المسلحين، الذي غالباً ما تطاول الخسارة المواطن الأعزل.

في تقريره، شدّد المرصد على أنّ تلك الوقائع تتنافى مع المادة الثانية بفقرتيها الأولى والثانية من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي وقّعت عليها مصر، والتي تنصّ على أن "تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكلّ طفل يخضع لولايتها من دون أيّ نوع من أنواع التمييز، بغضّ النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره، أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر".

وطالب المرصد السلطات المصرية بتوفير سُبل الأمن والأمان للأطفال والمدنيين في سيناء، كذلك البحث والتحقيق في وقائع مقتل 86 طفلاً أو يزيد، ومحاسبة المتسبّبين في حرمان هؤلاء حقهم في الحياة. أيضاً، طالب المرصد المقرِّر الخاص بالقتل خارج إطار القانون في الأمم المتحدة، إرسال وفد لتقصّي الحقائق بهدف تبيّن الوضع ميدانياً داخل سيناء، وتقديم المتسببين في ما آلت إليه سيناء إلى محاكمة دولية عاجلة.

على صعيد آخر، وثّق المرصد السيناوي لحقوق الإنسان جانباً آخر من جوانب معاناة الأطفال في مدن سيناء وقراها التي تعيش تحت حصار قوات الجيش، لا سيما مدينتَي الشيخ زويد ورفح. تلك القوات تمنع للأسبوع الثالث على التوالي إدخال السيارات التي تنقل الأدوية، ما تسبب في نقص حاد في حليب الأطفال المكمّل غذائياً وعدد من الأدوية الضرورية. بحسب المرصد، فإنّ عدداً من مالكي ومديري صيدليات المحافظة، أجمعوا على أنّ أبرز الأدوية التي تفتقر إليها محافظة شمال سيناء، على الرغم من توفرها في محافظات أخرى، هي محاليل الملح وبعض أدوية العظام وحليب الأطفال المدعّم، بالإضافة إلى أنواع من المضادات الحيوية الأساسية ومن الأشربة الخاصة بالحساسية ومن المطهرات المعوية وغيرها. وقد أشار مالكو الصيدليات إلى أنّهم يجدون صعوبة في إدخال الأدوية، وأنّ آخر نقطة يمكن الوصول إليها هي مدينة بئر العبد غرب شمال سيناء، فيما يصعب دخول مدن العريش والشيخ زويد ورفح، في ظلّ الأحداث الجارية والإجراءات الأمنية المتبعة عند بوابة العريش.