المقاومة بالقراءة أيضاً

المقاومة بالقراءة أيضاً

24 يوليو 2018
من مكتبات غزة التي دمّرها الاحتلال (عبد خطيب/ Getty)
+ الخط -
يقاوم الشعب الفلسطيني بالقراءة أيضاً. ومعه يصبح ارتياد المكتبة العامة لمتابعة كلّ جديد، والاستزادة من المعارف، فعلَ نضال، مثله مثل المشاركة في التظاهرة، وإحياء المناسبات الوطنية، ومقارعة الاحتلال الصهيوني يومياً.

ومع أنّ خريطة فلسطين التاريخية مجزأة بين مناطق داخل كيان إسرائيل، وكلّ من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصرين، إلاّ أنّها جميعاً تشهد نهضة فعلية على صعيد عدد المكتبات. بالطبع تختلف المواصفات بين مكتبة وأخرى تبعاً للإمكانات المتوافرة، لكنّ المشترك بينها هو دورها كلازمة تؤكد أنّ المجتمع الفلسطيني قرر أنّ أحد أشكال مقارعته للاحتلال هو تنمية ثقافته وتوسيع معارفه وتأكيد شخصيته في مواجهة عمليات الطمس. لذلك، نجد مكتبات عامة في حجرات صغيرة داخل مخيمات القطاع أو الضفة لا تزيد مساحتها على 12 متراً مربعاً فقط، أي في حجم غرفة أقل من عادية، لكنّها ضمن هذا الحيز الضيق، تحاول أن تفتح أبواب المعرفة، وتستقبل زائريها من أبناء المخيم، يقيناً منها أنّ قيامها بدورها المتواضع في ترسيخ الهوية والثقافة الوطنية المنفتحة على الآفاق الانسانية هو سبيل الصمود وانتزاع الاستقلال.

بالطبع، هناك العديد من المكتبات المتوسطة، والعديد منها مغلق لأسباب كثيرة. لكن، في المقابل، هناك أضعاف منها تقوم بدورها، وتتجاوزه إلى تنظيم الأنشطة الثقافية، رغم ظروف الاحتلال وأحكامه الجائرة، وفي ظل الحصار والحواجز. وتنظم دورات في العزف على الآلات الموسيقية، واللغات، وندوات لنقاش موضوعات أدبية، وعروض الأفلام، ويتم عقد ندوات لمناقشة الإصدارات الحديثة. اللافت أنّ بعضاً من هذه المكتبات يملك مطبوعات "برايل" للأشخاص المكفوفين، والكثير منها زاخر بمؤلفات بلغات كثيرة تتجاوز العربية والإنكليزية لتصل إلى الإسبانية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والروسية والألمانية، كما أنّ معظمها يديره متخصصون في علم المكتبات أو ممن تلقوا دورات تدريبية. وهي مكتبات محوسبة، وأقسام الإعارة فيها ناشطة، وعدد المشتركين من أبناء محيطها بالألوف، من بينهم، بالإضافة إلى التلاميذ والطلاب، محامون ومهندسون وصحافيون وشعراء وأدباء ومعلمون وأساتذة وعمال وفلاحون.



معظم المكتبات في الضفة والقطاع تأسست بعد هزيمة يونيو/حزيران عام 1967 واحتلال إسرائيل المنطقتين، والجزء الأكبر منها يحمل تاريخ العام 1970، أو بعد اتفاق أوسلو عام 1994، أي أنّ المجتمع الفلسطيني بعدما امتص الصدمات عاد إلى تنظيم عناصر صموده، ومن ضمنها تأسيس المكتبة العامة بإمكاناته المحدودة، ولعبت البلديات ومؤسسات المجتمع والأفراد دورهم المبادر. وبذلك، تجد مكتبات تضم آلاف المطبوعات، وأخرى لا يتجاوز ما تملكه عدة مئات، تبعاً لواقع حال الجهة المؤسسة لها، سواء أكانت جمعية أو بلدية أو مجلسا قرويا أو فردا. والواقع أنه من الصعب الحديث عن كل هذه المكتبات بشكل كامل. ويجب التوقف عند مدينة حيفا الرازحة، منذ عام 1948، تحت الاحتلال، وما تشهده من نهضة على صعيد تأسيس المكتبات العربية، إذ نجد أنّ هناك مكتبتين عربيتين فيها هما: مكتبة جمعية الثقافة العربية التي تنظم صالونا أدبياً شهرياً، ومكتبة مركز المساواة وجمعية التوجيه الدراسي، وتملك الأخيرة أقساماً للدراسات الحقوقية والعلوم الإنسانية وإصدارات المؤسسات، لكنّ الأهم أنّها تملك مجموعات من الكتب تعود إلى ما قبل النكبة وتعمد إلى تنظيم أنشطة موسمية.

في دراسة جرى إعدادها بعد زيارات ميدانية إلى مختلف المناطق، تبين وجود 108 مكتبات عامة عربية في فلسطين، من دون أن تشمل المكتبات المتخصصة والمكتبات الدينية التابعة للمساجد والكنائس ومكتبات الجامعات والكليات ومكتبات الأطفال. لا تدعي الدراسة شمولها كلّ المكتبات العامة، إذ تطلب من المكتبات التي لم تشملها عملية الحصر، الاتصال بفريقها لتزويده بالمعلومات التي لم يتسن له الوصول إليها.

تشير الدراسة إلى 21 مكتبة مغلقة و7 مكتبات مدمرة بشكل كلي أو جزئي في غزة. ولا شك أنّ المكتبات الكبرى هي من نصيب مدن القدس ورام الله والخليل وجنين ونابلس وأريحا والبيرة وبيرزيت وغيرها.

(باحث وأستاذ جامعي)

المساهمون