شهادات سوريّة... ثماني سنوات من الدم والدمار

شهادات سوريّة... ثماني سنوات من الدم والدمار

15 مارس 2019
سورية التي دمرها النظام وقتل شعبها وهجّره(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

مضت على ثورة الشعب السوري ثمانية أعوام كاملة. وبالرغم من أنّ النظام ضرب الثورة وقتل الشعب واعتقله وعذبه وهجره، إلا أنّها ما زالت حيّة في نفوس أصحابها والمشاركين فيها، وفي ذاكرتهم

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أخير، مقتل 223.161 مدنياً سورياً على يد أطراف الصراع، من بينهم 28.486 طفلاً، و15.425 سيدة، منذ مارس/ آذار 2011، 92 في المائة منهم قتلوا على يد قوات الحلف السوري - الروسي.

التقرير الذي أصدرته الشبكة لمناسبة الذكرى الثامنة للثورة السورية، يشير إلى أنّ نسبة الضحايا من الأطفال والنساء مرتفعة جداً، كما يشير إلى تعمّد قوات الحلف السوري - الروسي استهداف المدنيين. يتابع أنّ النظام السوري نفذ ما لا يقل عن 441 هجوماً بذخائر عنقودية وقرابة 216 هجوماً كيميائياً، تسببت في مقتل ما لا يقل عن 1461 شخصاً. كذلك، قتل 921 مدنياً بسبب الحصار الذي اتبعته تلك القوات ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، كما تسبب النظام بمقتل نحو 14 ألف شخص في سجونه تحت التعذيب. يلفت التقرير إلى أنّ قوات النظام والمليشيات الموالية ما زالت تخفي نحو 128 ألف شخص في سجونها، بينما تخفي "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) 2700 شخص. ويبيّن أنّ تنظيم "داعش" ما زال يخفي أكثر من 8 آلاف من المعتقلين، و"هيئة تحرير الشام" أكثر من 1700، وفصائل المعارضة المسلحة نحو 2700.




وبحسب التقرير، فإنَّ موجات نزوح ضخمة شهدتها سورية، لا سيما عامي 2017 و2018، بفعل عمليات عسكرية شنَّتها أطراف النزاع أو نتيجة هدنات واتفاقيات فُرضت على المدن والبلدات المحاصرة تُخالف في مضمونها القانون الدولي الإنساني، مُشيراً إلى أنّ نحو 14.2 مليون شخص تعرَّضوا للتهجير القسري، من بينهم 8 ملايين شخص جرى تهجيرهم داخل سورية.

حلول طويلة الأمد
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، يقول لـ"العربي الجديد"، عن الأعوام الأشد قسوة في الثورة السورية على السوريين: "أشدّها لناحية الخسائر البشرية هو عام 2012، الذي شهد أقسى الهجمات الوحشية من النظام السوري، وشهد أكبر أعداد من الضحايا. وفي أحد أشهر صيف 2012 سجلنا أكثر من ستة آلاف ضحية بسورية قتلوا على يد قوات النظام، بمعدل 200 مواطن سوري في اليوم. ويجب أن نذكر أنّه في عام 2012، لم يكن هناك تنظيم داعش أو غيره، بل إنّ قوات المعارضة كانت في طور التشكل، وهو ما يؤكد على وحشية النظام السوري، فهو لا يضيع فرصة لارتكاب هذه الجرائم. وبالنسبة لحصيلة المعتقلين، فقد كان من أكثر الأعوام قساوة، إذ كان النظام يسيطر على المدن والبلدات وفي إمكانه دخولها لاعتقال المئات، ولم يكن أحد قادراً على إيقافه عامي 2011 و2012".



مع سؤاله عن إمكانية التدخل الدولي لوقف شلال الدم بحق السوريين، خصوصاً بعد الأعداد المهولة من الضحايا تحت التعذيب وضحايا القصف والغارات الجوية، يوضح عبد الغني: "لا نعتقد أنّ هناك حراكاً دولياً، وهو أمر مخزٍ للمجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة والدول المتحضرة، ويفترض أن يكون هناك حراك دولي منذ عام 2011 وصولاً إلى اليوم. المطلوب من الدول حالياً، وإن تأخر الوقت، أن تعمل على الضغط الاقتصادي والسياسي، فتمنع التعامل مع هذا النظام وتمنع أموال إعادة الإعمار عنه، ليجري تضييق الخناق عليه، ويرضخ للحلّ السياسي، وهذا الأمر قد يؤدي إلى نتيجة لكنّه في حاجة إلى وقت طويل قد يستغرق سنوات، على حساب شلال الدماء المستمر، والقصف على إدلب، وعمليات الاعتقال التي ما زالت مستمرة، كما عمليات التعذيب".




حول التوقعات للشمال السوري، والمرحلة الصعبة التي يمر بها من تصعيد من قبل قوات الحلف السوري - الروسي تستهدف بالدرجة الأولى المدنيين، يقول عبد الغني: "الشمال السوري حالياً يتعرض لأمرين؛ الأول هجمات قوات النظام بشكل أساسي على إدلب بمشاركة القوات الروسية التي تبدأ هجماتها عند تعرقل أيّ محادثات بينها وبين تركيا. وهو أسلوب الغدر نفسه الذي كان النظام يعتمده عند تعثر أيّ مفاوضات، فيذبح المدنيين وينفذ عمليات قصف بربرية ضد المناطق. أما الأمر الثاني فهو سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) على إدلب التي أضرت بالأهالي والمجتمع والمنظمات، فمعظم الدول أوقفت التمويل، وأوقفت العمليات الإغاثية على الأرض، ما زاد من وطأة الكارثة على النازحين ممن سينزحون مرة أخرى بسبب عمليات القصف". يضيف: "ليست هناك حلول عاجلة، بل حلول على المدى الطويل، وتكمن بالتخلص من التنظيمات المتشددة التي جلبت الويلات إلى سورية ومجتمعها، وإعادة تشكيل مقاومة وطنية محلية، وبالتالي عودة المساعدات الأممية والدولية التي تعزز قوة المجتمع، كما ستكون هناك مجالس محلية منتخبة يتبع لها جهاز شرطة وقوى عسكرية، لتقديم نموذج جيد عن سورية، وهذا ما لا يريد النظام للثورة أن تصل إليه، فاستغلت التنظيمات المتشددة هذا الأمر لتثبت أنّها موجودة لتكتسب شيئاً من الشرعية، وعلى صعيد توقف الهجمات، نحن نعتقد أنّه إذا بذلت تركيا مزيداً من الجهود في هذا الاتجاه، ودفعت مزيداً من القوات ونقاط المراقبة، فقد يساهم ذلك بتخفيف القصف عن المدنيين، ويمنع النظام من الاجتياح البري للمناطق".

سخرة الموت
من جهته، يتحدث الباحث السوري ساشا العلو، إلى "العربي الجديد"، عن تجربته الشخصية مع الاعتقال، والمراحل التي مرّ بها: "كنا نسمع عن سخرة الطعام في السجون، فهناك عمل للمعتقلين بتقديم الطعام لغيرهم بشكل دوري، لكن، كان هناك نوع آخر من السخرة هو سخرة الموت، إذ كان علينا أن ننقل جثث المقتولين تحت التعذيب إلى ساحة خارج السجن كلما مات أحدنا. كنا نضع الجثة على بطانية ونمسكها من الزوايا الأربع وننقلها إلى الساحة لتأتي سيارة وتنقل الجثث إلى مكان لا نعرفه. أسباب الموت كانت كثيرة، منها التعذيب، فبعض الأشخاص لا يحتملون الضرب الشديد، ومنهم من يموت مباشرة، وبعضهم يعيش لأيام يعاني من مضاعفات التعذيب الذي كان يجري باستخدام الكرسي الألماني (ينام الضحية على بطنه ويوضع كرسي في ظهره، قوائمه تحيط بجسد الضحية وعموداه العلويان تحت إبطيه، ليُشدّ إلى الخلف) فيصاب الضحية بتمزق الأحشاء الذي يتسبب بانتشار الفيروسات في جسده ويؤدي إلى وفاته بعد فترة".



يتابع العلو: "أذكر أنّ فتى في الرابعة عشرة كان مصاباً بالسكري، وحصلت معه نوبة شديدة بعدما تعرض للتعذيب وكان من دون طعام، فأعطاه طبيب حقنة أنسولين ليموت على الفور بسبب التدني الشديد في نسبة السكر في دمه، فشتمنا الطبيب وأهاننا وقال: لماذا لم تخبرونا بأنّه بلا طعام... مع أنّه كان يعلم ذلك". يضيف: "كانت الجثث تملأ حمامات السجن، إذ يتكدس بعضها فوق بعض، ونضعها هناك لعدم توافر مساحة في المهجع الذي لا يكفينا كي ننام حتى، وفي السجن كان هناك صراع حقيقي من أجل البقاء يمنع علاج المصابين بالصدمة خصوصاً من يدخلون حديثاً ويشاهدون هذا المنظر. يهذي هؤلاء ويتحدثون مع أنفسهم، فلا يبقى من علاج لهم غير تأمين مكان ينامون فيه مع عناية ليومين أو ثلاثة، وهو أمر نادر الحدوث، إذ كان السجانون يضربونهم أكثر من غيرهم لعدم استيعابهم الأوامر، ما كان يتسبب بوفاتهم في النهاية".

"يا بابا شيلني"
ليس الاعتقال فقط والموت في السجون هو الألم الوحيد، فلعلّ ذلك ينتهي، لكنّ فقدان طفل صغير لطرف بسبب القصف جرح لا يندمل مع الأيام، خصوصاً في مجتمعات لا توفر التجهيزات البيئية والمجتمعية للأشخاص ذوي الإعاقة. الفتى عبد الباسط طعان، يتحدث إلى "العربي الجديد"، وهو الذي اشتهر بعبارة: "يا بابا شيلني... يا بابا شيلني" بعدما بترت ساقاه بقصف للنظام على بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي في فبراير/ شباط 2017: "أمنيتي وهدفي الحالي أن أنجح في الدراسة وأنتسب بعدها إلى كلية الطب البشري، فأكون طبيباً جراحاً ماهراً أساعد الأطفال، وأكون كالأطباء الذين ساعدوني، فأنا ممتن لهم. أريد أن أكون قدوة للمصابين في القصف في سورية الذين بُترت أطرافهم أو تسببت لهم القذائف بأذى جسدي، فأشجعهم على الاستمرار بالحياة وأبث فيهم الأمل".




يوجه رسالة إلى الأطفال السوريين: "صحيح أنّكم نزحتم وقُصفتم ولاحقتكم القنابل والطائرات وأصابكم الخوف والرعب، لكن عليكم ألّا تفقدوا الأمل في الحياة، بل كونوا أقوى من إصابتكم وتغلبوا عليها كما كنت أنا أقوى من إصابتي".