مدارس مصر وسط المجاري

مدارس مصر وسط المجاري

07 نوفمبر 2014
نموذج عن المدارس الحكوميّة في محافظة الجيزة (Getty)
+ الخط -
هنا، غرف غير مؤهلة للبشر، نوافذها متهالكة بلا زجاج وأرضيتها من دون بلاط، أما الحمامات فوضعها مزرٍ وشبكة الصرف الصحي غير متوفّرة.
هذا في الداخل. أما في الخارج، فالمياه الآسنة والقمامة تحاصر المبنى، في حين أن أكشاك كهرباء مكشوفة تلتصق بالمدخل وإلى جانبها مخازن لحوم وخراف. وذلك، فيما تعلو أصوات الباعة المتجوّلين لتغطّي أي صوت آخر، وتكثر الحشرات كالذباب والبعوض التي تهاجم المباني نتيجة تراكم القمامة، أما الروائح الكريهة فتعبر الأسوار.
هنا، لسنا في منطقة عشوائيّة. هذا نموذج عن المدارس الحكوميّة في محافظة الجيزة، وعن البيئة التي يحصل أبناؤنا على تعليمهم فيها.
وهذا في الشكل. أما في ما يخصّ التعليم، فحدّث ولا حرج عن تدني مستواه وعن إجبار التلاميذ على الالتحاق بمجموعات للتقوية. كذلك، من الطبيعي تغيّب المدرّسين والتأخّر في تسليم الكتب. من جهة أخرى، لا رقابة على حضور الطلاب ولا على سلوكهم وأخلاقياتهم. ومن غير المستغرب أن يهدّد تلميذ أستاذه أو يضربه حتى.
وكانت جولة لـ"العربي الجديد" على بعض مدارس محافظة الجيزة، شمالاً وجنوباً، لرصد الوضع.
في مدرسة عثمان بن عفان في شارع المطار في منطقة إمبابة، تهجّم علينا بعض المدرّسين بالسباب عندما بدأنا بالتحدّث مع أولياء أمور التلاميذ، وأصرّوا على ضرورة أن نغادر المكان فوراً، وإلا فإنهم سيستدعون الأمن. تركنا المكان ورحنا من بعيد نستمع إلى شكاوى بعض التلاميذ، كأنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة حتى يفرغوا ما في جعبهم.
تتحدّث ب. أ. عن مأساتها ومأساة زملائها، فتقول إن "معظم المدرّسين سيئون للغاية. كذلك يجبروننا على جمع القمامة من المدرسة وإخراجها". تضيف: "وإذا رفضنا، نجد القمامة ملقاة تحت مقاعدنا. وذات مرّة، طلب زميل في الفصل دخول الحمام، فرفض المدرّس قائلاً له: اعملها مكانك". وهذا ما حصل.
وتشير ع. هـ. إلى أن "جميع المدرّسين يجبروننا على الدروس الخصوصيّة ولا يشرحون كلمة في الفصل. وإن رفضنا ذلك، يعاملوننا أسوأ معاملة ويجعلوننا أضحوكة، ويحرموننا من الدرجات الجيّدة. وعندما نشكو للمدير، يعاقبنا".
من جهتها، تؤكّد والدة إحدى التلميذات أن الصغار يُجبرون على الالتحاق بمجموعات التقوية ويتعرّضون لضرب مبرح من أجل ذلك. تضيف أنه وإلى جانب "ضعف مستوى التلاميذ في القراءة والكتابة، لا يهتمّ المدرّسون بالشرح في الفصول ولا في المجموعات التي ترتفع تكلفتها".

أمام مدرسة الإسماعيليّة الإعداديّة للبنات، يكثر الباعة المتجوّلون لا سيّما بائعو الخضار الذين ينادون على بضائعهم في أثناء الدوام. أما وضع البناء، فأعمال الصيانة غير متوفّرة، في حين أن مقاعد الدراسة متهالكة، بالإضافة إلى عدم توفّر شبكة صرف صحيّ وغياب النظافة.
إلى ذلك، كان لقاء مع أحد المدرّسين في مجمّع مدارس منطقة إمبابة. بعد تشديده على عدم ذكر اسمه حتى لا يتعرّض لأي أذى، يقول إن المدرسة التي يعمل فيها "أصابتها الشيخوخة المبكرة".
يضيف: "لا يوجد تعليم ولا مَن يحزنون. وثمّة تدنٍّ في المستوى الأخلاقي للتلاميذ لأقصى درجة ممكنة". ويتحدّث عن "شتائم وتدخين سجائر وتعاطي مخدرات في المدارس وهروب التلاميذ عبر الاسوار وعدم توفّر رقيب، وهو ما أدّى إلى انتشار البلطجة بينهم بشكل كبير جداً".

في إدارة العمرانيّة في الجيزة، يشير مدرّس لغة فرنسيّة إلى أن التلاميذ لم يتسلّموا كتبهم حتى الآن. أما انتظام التلاميذ، فهو متوسّط. ويوضح: "الفصل يضمّ 50 تلميذاً، لا يحضر منهم إلا ما بين 20 و30. وفي ما يخصّ تلاميذ الصفّ الثالث إعدادي، هم يتغيّبون طوال العام من دون أن يحاسبهم أحد، وفي نهايته يدفعون 15 جنيهاً لقاء استمارة غياب حتى يتمكنوا من إجراء الامتحان". ويحمّل الإدارة التعليميّة المسؤوليّة لأنها لا تبحث عن حلول لهذه المشكلات.
يشار إلى أن المدرّسين بمعظمهم لا يهمّهم سوى الدروس الخصوصيّة فقط. كذلك، فإن الإدارة التعليميّة تسعى بكل الطرق وراء المدرّس لإجبار التلاميذ المنتظمين في الدروس الخصوصيّة لديه، للاشتراك في المجموعات المدرسيّة، لأن الإدارة لها نسبة من العائدات. وهو ما يؤكد أن سبب معاناة التعليم بشكل عام هو أهمّ أطراف العمليّة التعليميّة، على حدّ قول مدرّس اللغة الفرنسيّة.
إلى ذلك، يوضح أن مرتّب المدرّس بعد 27 سنة خدمة في التعليم، لا يصل إلى ألفَي جنيه مصري، "وهو ما يضطره للأسف إلى تحسين دخله بالدروس الخصوصيّة".

المساهمون